الأربعاء، 28 يوليو 2021

المسؤول عن ملف بن لادن يحقق في المرض الغامض

بالرغم من أن هذا المرض الغامض والغريب انكشف أولاً في عام 2016 على الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين في بعض دول العالم مثل كوبا، والصين، وروسيا، أي قبل نحو خمسة أعوام ، إلا أن عُقول علماء وأطباء أمريكا عجزت حتى يومنا هذا عن علاجه، ومعرفة مصدره وأسبابه. وقد أكد على هذا الغموض والمجهول الذي يحيط بهذا المرض الذي أطلق عليه الآن "هافانا سيندروم"( Havana Syndrome)، وزير الخارجية أنتوني بلينكن(Antony Blinken) في جلسة الاستماع التي عُقدت حول هذه القضية الفريدة من نوعها في الكونجرس في يونيو من العام الجاري، حيث قال: "هناك واقع صعب الآن: نحن لا نعلم ما هو سبب هذه الحالات. نحن لا نعلم من المسؤول الحقيقي، إذا وجد".

 

فمنذ ذلك الوقت والولايات المتحدة الأمريكية في حيرة من تفسير هذا اللغز الكبير، وغير قادرة على تقديم العلاجات الناجعة للتخلص من أعراض هذا المرض، فهل هو فعلاً مرض عضوي يصيب أعضاء جسم الإنسان، أو مرض نفسي تعرض له هؤلاء الدبلوماسيين في فترة من الفترات العصيبة بسبب ضغط العمل، وشدة الجهد الذي يمرون به ويعانون منه أثناء أداء مهماتهم الاستخباراتية المختلفة؟ 

 

ومن أجل سبر غور هذا المرض الفريد من نوعه، وإبداء الرعاية والاهتمام الأشد من قبل الحكومة الأمريكية للدبلوماسيين المتضررين صحياً، فقد وافق مجلس الشيوخ بالإجماع في السابع من يونيو من العام الجاري على قانون يُقدم الدعم للمتضررين من هذا المرض، وعُرف بقانون هافانا، والذي صدر تحت عنوان: "مساعدة الضحايا الأمريكيين المتأثرين بهجمات عصبية"(Helping American Victims Afflicted by Neurological Attacks)، حيث يوفر هذا القانون الخاص كافة الموارد المالية والإدارية اللازمة لمعالجة هذه الحالات المرضية، وتم تكليف وزارة الخارجية ووكالة الـمخابرات المركزية الأمريكية(سي آي أيه) لمتابعة تنفيذه.

 

ولذلك قام مدير وكالة الـمخابرات المركزية الأمريكية وليم بيرنز(William Burns) في 22 يوليو 2021 بتعيين ضابطٍ رفيع المستوى للقيام بالتحقيق الشامل والدقيق في هذا المرض العصيب من كافة جوانبه ومعرفة أسراره وخفاياه، علماً بأن هذا الضابط لا تُعرف هويته حتى الآن، حيث قام بمهمات حساسة جداً وصعبة ومعقدة، منها تكليفه بمسؤولية ملاحقة ومتابعة حركات أسامة بن لادن، حسب ما نُشر في صحيفة "وال ستريت جورنل" في 21 يوليو.

 

وقد أكد مدير المخابرات بأن هذا المرض حقيقي وخطير، كما أفاد بأنه يعتقد أن هناك احتمالاً قوياً جداً بأن هذه الأعراض والحالة الغريبة التي نزلت على الدبلوماسيين هي نتيجة لعمل عدائي متعمد، واستند في تصريحه هذا على التقرير المنشور في السادس من ديسمبر 2020 من "الأكاديميات القومية للعلوم والهندسة والطب"(National Academies of Sciences, Engineering, and Medicine) بعنوان: "تقييم مرض موظفي الحكومة الأمريكية وعائلاتهم في السفارات الخارجية". فهذا التقرير قام به فريق مكون من 19 خبيراً من تخصصات متعددة منها علم الأعصاب والإشعاع وغيرهما، وتكون التقرير من 64 صفحة، وجاءت الاستنتاجات الختامية حسب ما ورد في التقرير بأن: "الأعراض التي تم كشفها على أول حالة في السفارة الأمريكية في مدينة هافانا بكوبا كانت تتمثل في الاستيقاظ من النوم والشعور بآلام شديدة وضغط شديد في الوجه، والاحساس بوجود صوتٍ حاد ومرتفع جداً في أحد الأذنين، ثم فقدان التوازن والإغماء. وبعد أيام انكشفت أعراض أخرى تتمثل في مشكلات واضطرابات في الرؤية، وصعوبات ذهنية وعقلية، وفقدان في السمع، وصداع مزمن، والشعور بالتعب والإرهاق، وفقدان الذاكرة"، كما جاء في التقرير بأن: "لجنة الخبراء تَشعر بأن الأعراض التي أصابت الدبلوماسيين تتوافق مع التأثيرات للتعرض المباشر للأشعة الكهرومغناطيسية في مجال طاقة وترددات الراديو(radio frequency (RF)، وهذا يشتمل على موجات الراديو والميكروويف. كما جاء أيضاً في التقرير: "يبدو أن ذبذبات ترددات الراديو الموجهة هي الآلية الأكثر قبولاً لتفسير هذه الحالات المرضية التي تمت دراستها من قبل اللجنة، إضافة إلى تأثيرات الحالات النفسية لهؤلاء الموظفين".

 

فهذا التقرير خلص إلى استنتاجٍ عام جداً ومبهم زاد المرض غموضاً وتعقيداً، فالتقرير لا توجد به أية تفاصيل، أو تفسيرات واضحة تشفي غليل الضحايا حول أسباب ومصدر الأعراض المرضية التي يعاني منها نحو 200 دبلوماسي أمريكي عملوا في السفارات والقنصليات الأمريكية في الخارج، فالأسئلة التي تركها التقرير أكثر من الإجابات، ومنها: هل تم استخدام جهاز خاص لتصويب وتوجيه هذه الأشعة والموجات الكهرومغناطيسية في مجال الراديو مباشرة على الدبلوماسيين الأمريكيين؟

وهل هناك سلاح جديد تم إنتاجه خصيصاً من أجل الهجوم الإشعاعي على هؤلاء الأمريكيين؟

وما هي الدول التي قامت بهذه العملية الهجومية؟

 

وعلاوة على هذا التقرير، فقد هناك دراسة قامت بفحص الأعصاب، وإجراء تقييم وتحليل شامل لبناء وتركيبة كافة أجزاء المخ من خلال أخذ صور محددة للمخ باستخدام جهاز الرنين المغنطيسي المعروف(إم آر آي)، حيث نُشرت تفاصيل نتائج الدراسة في 23 يوليو 2019 في مجلة جمعية الأطباء الأمريكيين تحت عنوان: "اكتشافات بعد التحليل العصبي لموظفي الحكومة في كوبا"، وقد أجرت هذه الدراسة مقارنة لحالة أربعين من الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يعانون من هذا المرض مع 48 أمريكياً أصحاء من غير المصابين، وأفاد الباحثون إلى وجود فروقٍ جوهرية بين العينتين في المخ من ناحية حجم الجزء الكلي الأبيض، وحجم المنطقة البيضاء والرمادية، والبناء الميكروسكوبي للمخ، إضافة إلى اختلافات في الجزء المختص بالسمع والبصر. فعلى سبيل المثال، معدل الحجم الكلي للمادة البيضاء كان أصغر في المرضى مقارنة بالأصحاء، فالمرضى كان الحجم 542.22 سنتيمتر مكعب والأصحاء 569.61، أي أصغر بنحو 5%، كذلك كانت هناك اختلافات وفروق بين عينة المرضى والأصحاء بالنسبة حجم المادة البيضاء والرمادية.

 

وهذه الدراسة أيضاً لم تنجح في فك رموز لغز هذا المرض من حيث التعرف على أسبابه، ومصدره، فهل سيبقى هذا المرض غامضاً ومجهولاً، كما حصل بالفعل لمرض وظاهرة حرب الخليج الفريدة من نوعها والغريبة التي أصابت عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب الخليج منذ أكثر من ثلاثة عقود؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق