الخميس، 5 أغسطس 2021

تصريح لا يمكن تصديقه


دعا الرئيس التنفيذي لواحدة من أكبر شركات التبغ والسجائر حول العالم وهي شركة فيليب موريس الدولية(Philip Morris International) ياسك أولكزاك (Jacek Olczak) في تصريح غريب لا يُصدق في 25 يوليو من العام الجاري إلى منع التدخين والتوقف عن بيع السجائر التقليدية في غضون عشرة أعوام في المملكة المتحدة، أي أنه يدعو هو بنفسه إلى منع وحظر بيع أشْهَر مُنتج تسوقه الشركة منذ أكثر من سبعة عقود، وهو سجائر مالبورو المعروفة في كل أنحاء العالم، والتي جنت وكسبت المليارات من الدولارات من بيع هذا المنتج بالتحديد!

فقد قال في تصريحه المشبوه: "نُريد أن نَرَى العالم من غير سجائر، وكلما حدث هذا مبكراً، كان هذا أفضل للجميع"، كما أضاف بأننا يجب أن نتعامل مع السجائر كما نتعامل مع بترول السيارات، والذي سيُحظر بيعه بحلول عام 2030، أي أن التوجه العالمي هو نحو استخدام السيارات الكهربائية بدلاً من سيارات الجازولين والديزل.

كذلك أكد الرئيس التنفيذي لشركة فيليب موريس بأن مهمة الشركة وأهدافها قد تغيرت الآن، فأصبحت مهمتها الرئيسة هي الوصول بحلول عام 2025 إلى "عَالمْ بدون دخان".

وبعد هذه التصريحات، والتي هي ليست الأولى من نوعها بالنسبة لشركات التبغ والسجائر بشكلٍ عام، أتمنى أن لا تنطلي على أحد، ولا تنخدع بها الحكومات، فظاهرها الرحمة وداخلها الخديعة والمكر بالمجتمعات الإنسانية.

فمنذ متى تهتم هذه الشركات بصحة الناس وسلامتهم من العلل والأمراض والعادات السيئة؟ أليست هذه الشركات هي التي نشرت السموم في المجتمع البشري في كل شبرٍ من أنحاء العالم منذ أكثر من مائة عام؟ أليست هذه الشركات هي نفسها التي كانت تسوق تدخين السجائر لأطفالنا وشبابنا وتشجعهم على التدخين وتزين له هذه السجائر بأنها رمز الرجولة، والقوة، والحيوية؟ أليست هذه الشركات نفسها هي التي قتلت الناس عمداً، وهي تعلم بأن السجائر تنبعث منها أكثر من أربعة آلاف ملوث سام وخطر، منها أكثر من عشرين مادة تسبب السرطان؟ ألم تعلم هذه الشركات نفسها منذ الخمسينيات من القرن المنصرم بأن التدخين يسبب عدة أنواع من السرطان، وفي مقدمتها سرطان الرئة؟ ألم تعلم هذه الشركات بأن النيكوتين يسبب الإدمان للشخص المدخن، ومع ذلك كانت تبيع السجائر التي ترتفع فيها نسبة النيكوتين حتى تظل السجائر رفيقة عمر الإنسان، فلا يستطيع التخلي عنها والابتعاد عنها ولو ساعة واحدة في اليوم، وبالتالي ترتفع نسبة المبيعات وتزيد الأرباح؟

 

فهذه التصريحات من أكبر شركة مصنعة للسجائر لم تأت من فراغ، وإنما جاءت أولاً لنيل الثقة التي فُقدت سنوات طويلة عند الناس والحكومات، وثانياً لتحقيق المزيد من المكاسب المالية وجني الأرباح السنوية، بالحلال تارة، وبالحرام والطرق غير الشرعية تارة أخرى. فبعد أن تكبدت هذه الشركات العملاقة متعددة الجنسيات خسائر كبيرة، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية المتقدمة بسبب القضايا التي تلاحقها من الأفراد، والمنظمات، والحكومات، والتي خسرت فيها أموالاً باهظة، إضافة إلى انخفاض أعداد المدخنين في هذه الدول، لجأت هذه الشركات إلى حيل شيطانية خبيثة جديدة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولاً: توجُه هذه الشركات من أجل التعويض عن خسائرها في الدول الغربية المتقدمة إلى الدول الفقيرة والنامية التي لا تتمتع بأنظمة وتشريعات حازمة وقوية ضد التدخين وضد عملية البيع في المحلات التجارية وفي الأحياء الشعبية، أو أن تشريعاتها غير مفعلة ولا يتم تنفيذها في أرض الواقع، علاوة على انخفاض مستوى الوعي العام عند هذه الشعوب حول تدمير التدخين للصحة العامة، سواء للمدخن نفسه، أو من يجلس حوله من غير المدخنين.

ثانياً: تسويق منتجات جديدة متنوعة كبدائل عن السجائر التقليدية التي يحترق فيها التبغ فيولِّد خليطاً كبيراً من الملوثات السامة والمسرطنة، وهذا البديل أُطلق عليه "أنا أمتنع عن التدخين التقليدي"(I Quit Original Smoking) أو (IQOS). وتعتمد هذه البدائل الفاسدة للبَدَنْ على فكرة تطوير منتجات بدون دخان، حيث يتم تسخين التبغ، وليس حرقه في جو منخفض الأكسجين، أو ما يُعرف بالحرق أو التسخين اللاهوائي(pyrolysis)، فتكون كمية الملوثات المنبعثة أقل من التدخين التقليدي الذي يتم فيه حرق التبغ، ولكن في الوقت نفسه يستنشق المدخن النيكوتين النقي المعروف بأنه يسبب الإدمان. ومن هذه البدائل "علكة النيكوتين" حيث أنفقت الشركة قرابة 820 مليون دولار لشراء شركة فيرتن فارما(Fertin Pharma)التي تصنع هذا النوع من العلكة، إضافة إلى السجائر الإلكترونية المعروفة الآن لدى الجميع والتي يقبل عليها الشباب بصفةٍ خاصة نظراً لجاذبيتها وإخراجها الأنيق والجميل.

وجدير بالذكر بأن هذه الشركات نفسها التي تدَّعي وتصرح أمام الناس بأنها تسعى نحو التوقف عن بيع السجائر ومنع التدخين حفاظاً على الصحة العامة، تعمل هي نفسها على نشر هذه البدائل المضرة أيضاً للصحة العامة والمسببة للإدمان على النيكوتين الموجود في التبغ والذي يعتبر العمود الفقري لهذه البدائل. ويتم تسويق هذه البدائل باستخدام العديد من الأكاذيب والمعلومات المضللة وأساليب التسويق الحديثة المخادعة والمغرية لفئات محددة من المجتمع، مثل أن هذه الشركات تحاول حل مشكلة التدخين المتفشية في المجتمعات من خلال هذه المنتجات البديلة، فهي تدَّعي زوراً بأن هذه المنتجات الجديدة ليست ضارة بالصحة أو أنها أقل ضرراً، وأنها في الوقت نفسه تؤدي إلى عزوف المدخن عن التدخين كلياً مع الوقت!

وقد نجحت شركة فيليب بوريس في سياسة "المنتجات البديلة"، أو "المنتجات من غير دخان"، حيث إن المبيعات تبلغ نحو 28 بليون دولار، والربع منها يأتي من بيع هذه المنتجات، حسب ما ورد في البلومبرج في 21 يوليو 2021.

ثالثاً: استغلال الأدوات والوسائل العلمية الحديثة، وإجراء الأبحاث العلمية غير المستقلة من خلال مرتزقة من العلماء والباحثين، والتي تضمن بأن نتائجها تتماشى وتتوافق مع أهداف هذه الشركات الماكرة والشيطانية، وتصب في الوقت نفسه في خطط تسويق المنتجات الجديدة التي ستُطرح أمام الجمهور، ولكن بمنهجية علمية تزيد من إقناع الناس إلى شرائها واستخدامها.

وختاماً أقول كذبت هذه الشركات ولو صدقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق