الاثنين، 9 أغسطس 2021

الحشيش بدلاً من السجائر!

شركات التبغ والسجائر العملاقة متعددة الجنسيات تـمُّنُ على البشر بأنها سوف تتخلى عن بيع السجائر التقليدية المبنية على حرق التبغ، وتبرر هذا القرار بأنها تسعى لحماية صحة الإنسان ووقايته من الملوثات الخطرة والسامة والمسرطنة التي تنبعث منها، ولذلك ومن أجل تحقيق هذا الهدف السامي والنبيل بما فيه خدمة البشرية وصيانتها من الأمراض والموت المبكر ستتجه نحو البدائل عن السجائر التقليدية غير الضارة بالإنسان.

فشركة فيليب موريس الدولية التي تُعد واحدة من أكبر شركات إنتاج السجائر، ومن أشهرها مالبورو، أعلنت في 25 يوليو من العام الجاري على لسان رئيسها التنفيذي عن سياساتها الجديدة واستراتيجياتها المستقبلية والتي تتمثل في منع التدخين والتوقف عن بيع السجائر التقليدية في غضون عشرة أعوام في المملكة المتحدة، حيث قال: "نُريد أن نَرَى العالم من غير سجائر، وكلما حدث هذا مبكراً، كان هذا أفضل للجميع"، كما أضاف بأن مهمة الشركة وأهدافها قد تغيرت الآن، فأصبحت مهمتها الرئيسة هي الوصول بحلول عام 2025 إلى "عَالمْ بدون دخان".

وبعد أيام من تصريحات شركة فيليب موريس، سمعتُ صدى الصوت في 28 يوليو، ولكن من أكبر شركة للسجائر والتبغ في المملكة المتحدة، وهي الشركة البريطانية الأمريكية للتبغ، بي أي تي (British American Tobacco)، حول التحول من سجائر التبغ التقليدية إلى بدائل أخرى متنوعة، ولكن البديل الذي صرحت به الشركة في تقديري أسوأ من السجائر التقليدية المعروفة، وأشد وطأة وتنكيلاً بصحة الفرد والمجتمع، وهو الحشيش أو الماريوانا أو نبات القنب، حيث قال جاك بولز (Jack Bowles) الرئيس التنفيذي للشركة في مقابلة إذاعية: "عندما نُفكر في استثماراتنا في المستقبل، بالطبع مرحلة ما بعد منتجات النيكوتين...فأنا أعتقد بأن الحشيش الإلكتروني(CBD vaping) سيكون جزءاً من المستقبل". كما أضاف قائلاً: "أعتقد بأن سجائر الحشيش الإلكترونية ستكون عنصراً مهماً في تطور وتحول التبغ، ولكن التحدي حالياً سيكون في خفض أضرار المنتجات البديلة".

وهذه السياسة الفاسدة والمهلكة للنسل تمت ترجمتها إلى الواقع الميداني، فقد قامت الشركة بالاستحواذ على الشركات الصغيرة التي تنتج السجائر الإلكترونية والحشيش، أو تشتري حصة كبيرة من الأسهم فيها. فعلى سبيل المثال، في مارس 2021 اشترت حصة كبيرة من شركة كندية تنتج الحشيش الطبي، وهي شركة أُوْرجَنيجرام(Organigram)، إذ بلغت النسبة 19.9%، كذلك اشترت في عام 2020 إحدى الشركات المصنعة للسجائر الإلكترونية وهي نيكوفينشرز(Nicoventures Holdings Ltd)، وتمتلك 11% من أسهم شركة جول المعروفة بتصنيعها للسجائر الإلكترونية الأنيقة والجميلة الشكل منذ نوفمبر 2018. وعلاوة على ذلك فإن الشركة تقوم بإجراء أبحاث على منتجات الحشيش الخاصة بالشباب مع التركيز على زيوت الـ سي بي دي الموجودة في الحشيش أو في نبات القنب(cannabidiol (CBD))، ومنها الحشيش الإلكتروني.

 

وهذا التوجه الحالي والمستقبلي لهذه الشركة نحو الحشيش، والتي تُعد ربما من أكبر شركات التبغ والسجائر في العالم، يؤكد بأن هذه الشركات ومثيلاتها من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات لا ترقب في صحة البشرية إلا ولا ذمة، مهما صرحت وقالت، ومهما ادعت حمايتها لصحة الإنسان، فهي شركات قائمة على الربح الوفير والكبير والسريع، وليس هناك أي عيب في الربح والمال الحلال، ولكن العيب عندما يكون هذا الربح على حساب كل الجوانب الأخرى، البيئية، والاجتماعية، والأخلاقية، والصحية، فلا قيم، ولا مبادئ، ولا رحمة للإنسان.

 

وبالنسبة لهذه الشركات التي لا يهمها سوى جني المال، فإن الاتجار في المخدرات، مثل الحشيش، سواء أكانت سيجارة الحشيش، أو الحشيش الإلكتروني، يُعد فرصة ذهبية لا يمكن تعويضها، فأرباحها مضمونة وأكيدة، وبخاصة بعد التحول التدريجي من سجائر التبغ التقليدية إلى المنتجات الأخرى البديلة.

 

وهناك الكثير من الأسباب التي تجعل هذه التجارة رائجة ولن تبور. فأما السبب الأول فهو أن واحدة من أكبر دول العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية تنتقل يوماً بعد يوم إلى تحليل استخدام الحشيش، إما لأغراض شخصية وترويحية، أو لأغراض طبية على مستوى الولايات أولاً، ثم على المستوى الاتحادي ثانياً. أما على مستوى الولايات، فهناك حتى الآن 19 ولاية أمريكية إضافة إلى العاصمة واشنطن، مقاطعة كولومبيا، ومقاطعة جوام، قد سمحت باستخدام الحشيش لأغراض شخصية والترويح عن النفس، كما أن هناك 37 ولاية قد حللت الاستخدام الطبي للحشيش. وهذه الأعداد في تزايد مستمر وسريع مع الزمن. وأما على المستوى الاتحادي فإن الحشيش محرم استخدامه حالياً، ويصنف ضمن المواد المحظورة والتي لا فائدة منها، ولكن هناك محاولات تسعى جاهدة، وبشكلٍ تدريجي للوصول إلى تحليله على مستوى كل الولايات. فعلى سبيل المثال، وافق مجلس النواب في 19 أبريل من العام الجاري على قانون لا يجرم البنوك والمؤسسات المالية الأخرى عند إجراء المعاملات الخاصة بالحشيش، ويعرف هذا بقانون التعامل البنكي الآمن(The Safe Banking Act). كذلك طرح بعض أعضاء مجلس الشيوخ في 14 يوليو من العام الحالي مسودة قانون يحلل الحشيش على المستوى الاتحادي، أي أن الأمريكي الذي يدخن الحشيش شخصياً لن يجرم ولن يعاقب، وهذا القانون المقترح تم تقديمه تحت عنوان:" قانون الفرص وإدارة الحشيش"(Cannabis Administration and Opportunity Act))، وجدير بالذكر فإن مجلس النواب وافق في ديسمبر 2020 على تحليل الحشيش على المستوى الاتحادي، والآن في انتظار موافقة مجلس الشيوخ.

 

وأما السبب الثاني فهو التوجه الشعبي المتزايد والمستمر منذ سنوات نحو السماح للحشيش، وهذا العامل مهم جداً لأن المشرع الأمريكي يأخذ في المقام الأول آراء الناس ومواقفهم من كل قضية، وبخاصة في مواسم الانتخابات. فقد أفادت استطلاعات الرأي في أكتوبر 2019 بأن 66% من الأمريكيين يؤيدون تحليل الحشيش، علماً بأن 12% فقط من الأمريكيين كانوا في عام 1969 يوافقون على السماح باستخدام الحشيش، وارتفعت النسبة إلى 31% في عام 2000 ، ثم قفزت قفزة كبيرة في 2013 فبلغت 50%. وأما آخر استطلاع فقد جاء في المقال المنشور في النيوزويك في الرابع من أبريل 2021، حيث أكد بأن 91% من الأمريكيين يدعمون تحليل الحشيش بشكلٍ عام، سواء للاستخدام الشخصي أو الطبي والعلاجي.

 

وختاماً فإنني لا ألوم هذه الشركات، فهدفها الربح فقط وبكل الوسائل والطرق، بِقدر ما أُلقي اللوم الكامل على الدول والحكومات التي بيدها القرار النهائي، فتسمح بمثل هذه المنتجات السامة والمهلكة للجسد والنفس من الدخول إلى أسواقنا، وتعريض أطفالنا وشبابنا في شر الوقوع في شباكها والإصابة بالأمراض المستعصية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق