الأحد، 29 أغسطس 2021

البعد البيئي الدولي لقانون البنية التحتية الأمريكي

  

قانونان جديدان أقرهما الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ أولاً ثم النواب ثانياً، وهذان القانونان لا يخصان الولايات المتحدة الأمريكية والشعب الأمريكي فحسب، وإنما يؤثران على كل إنسان يعيش على سطح الأرض، بل وكل حيوان ونبات في البر والبحر وفي أعالي السماء، ولذلك فإن مردودات وآثار هذين القانونين يهماني في البحرين، كما هما يهمان ويخصان أي إنسان آخر يعيش في أية بقعة كانت من كوكبنا.

 

فهذان القانونان يتطرقان بشكلٍ مباشر إلى قضية بيئية وصحية وأمنية واقتصادية مشتركة تعاني منها الكرة الأرضية والبشرية منذ أكثر من ستين عاماً، وهي قضية التغير المناخي، والتي يحاول المجتمع البشري برمته مواجهتها والتصدي لها بشكلٍ جماعي مشترك منذ أن دخلت رسمياً في جدول أعمال حكومات دول العالم في المؤتمر التاريخي الذي عرف بقمة الأرض في عام 1992 في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، حيث وافقت دول العالم بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي شاركت بوفد رفيع المستوى برئاسة جورج بوش الأب على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي.

 

ووجود الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ فاعل وقوي في هذه الاتفاقية الدولية، أو أية معاهدة دولية بشكلٍ عام مهم جداً لإنجاح المعاهدة ولضمان استدامة تنفيذ الحلول التي تُطرح لمعالجتها والتصدي لها بفاعلية ونجاح، فأمريكا هي العامل الدولي الرئيس الذي يتمتع بنفوذٍ قوي ومؤثر، وسلطة رفيعة وضاربة، ولها القدرة على إنجاح، أو فشل أي جهد دولي حول أية قضية كانت، فصوتها حاضر بقوة ودائم في مجلس الأمن للموافقة أو الاعتراض على أية مشكلة تطرح في مجلس الأمن، وصوتها النافذ يؤثر على مسيرة كافة المنظمات والاجتماعات الدولية وعلى القرارات التي تتخذها.

 

كما أنه بالنسبة لقضية التغير المناخي الدولية وارتفاع حرارة الأرض وسخونتها، فإن لعب أمريكا الدور الرئيس في أي جهد يبذل لمواجهة القضية، سواء هذا الجهد كان على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، أي على المستوى القومي كسن القوانين الخاصة للتصدي ولعلاج تداعيات التغير المناخي، أو أن هذا الجهد كان على المستوى الدولي والمتمثل في تنفيذ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعنية بالتغير المناخي.

 

ويعزى السبب في أهمية وجود أمريكا على المستويين القومي والدولي للتصدي للتغير المناخي في أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المسؤول الأول أو الثاني لانكشاف هذه القضية الدولية العامة والمشتركة، والولايات المتحدة الأمريكية يقع عليها العبء الأكبر في وقوع هذه الظاهرة المناخية الكارثية، فهي أكبر أو ثاني أكبر دولة تُطلق الملوثات المسببة لهذه الظاهرة منذ قرابة قرنين من الزمان، وعلى رأسها غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان، أو الذي نُطلق عليها بغازات الدفيئة والاحتباس الحراري. فقد جاء في التقرير المنشور من مجموعة "الاستثمار المسؤول اجتماعياً"(Socially Responsible Investing)في 26 يوليو من العام الجاري تحت عنوان: "الخمس دول الأكثر إنتاجاً لثاني أكسيد الكربون" والمستخلص من تقديرات "المشروع الدولي للكربون"(Global Carbon Project)، بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي ثاني دولة بالنسبة لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ينجم من حرق الوقود الأحفوري في السيارات، ومحطات توليد الكهرباء، والمصانع، والطائرات. وحسب هذا التقرير فإن الصين تقع في المرتبة الأولى، ثم الهند في المرتبة الثالثة، وروسيا، وأخيراً اليابان. فهذا التقرير، وتقارير أخرى كثيرة تؤكد دور أمريكا في مكافحة هذا الوباء المناخي الدولي، بل وتركز على أن أمريكا تلعب دوراً محورياً رئيساً في حماية كوكبنا من شر التغير المناخي، وبالتالي استدامة حياتنا جميعاً على سطح الأرض، ولذلك أي جهد أمريكي، على هيئة قانون يُسن على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، أو نظام يضع معايير ومواصفات لانبعاث الملوثات من السيارات أو المصانع، أو أية مشاركة فاعلة في معاهدة دولية، فإن كل هذه الجهود تخص وتهم كل إنسان يعيش على سطح الأرض. فالولايات المتحدة الأمريكية بيدها دائماً مفتاح حل أو إعاقة أي جهد في مجال مكافحة التغير المناخي، كما بيدها مفتاح نجاح أو فشل هذه الجهود الدولية، كما أفشلت من قبل بروتوكول كيوتو لعام 1997 الذي ألزم الدول الصناعية المتقدمة في خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة، وأفشلت كذلك مفاهمات باريس لعام 2015 عندما انسحبت منها في عهد ترمب في الأول من يونيو 2017.

 

فالقانون اللذان وافق عليهما الكونجرس يصبان في جهود مكافحة التغير المناخي، وبالتالي يعد خبراً جيداً لكوكبنا وسلامة حياتنا على الأرض. أما القانون الأول فهو متعلق بخطة إطارية للميزانية العامة بمبلغ 3.5 تريليون دولار، حيث وافق عليه مجلس الشيوخ في 11 أغسطس ومجلس النواب في 24 أغسطس، والثاني فهو تحت عنوان  قانون "استثمار البنية التحتية والوظائف"(Infrastructure Investment and Jobs Act) بميزانية قدرها 1.2 تريليون دولار، والذي وافق عليه مجلس الشيوخ، ثم أجل مجلس النواب التصويت عليه إلى 27 سبتمبر من العام الجاري.

 

فهذه القوانين تدخل ضمن جدول أعمال الجانب الاقتصادي لحكومة بايدن، وتشتمل على عدة قطاعات هي البنية التحتية في قطاع المواصلات والاتصالات مثل بناء الشوارع والجسور والأنفاق وسكك القطارات والمطارات، وشبكة الإنترنت، وقطاع التعليم، والرعاية الصحية وغيرها.

 

وما يهمني هنا في هذه القوانين الأمريكية وما يخض جميع البشر، وما هو له علاقة بي كأحد سكان كوكب الأرض، هو البرامج والأنشطة الخاصة بمواجهة التغير المناخي وخفض الانبعاثات من المصادر الكثيرة المختلفة المؤدية إلى سخونة الأرض ورفع درجة حرارتها على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي نشترك جميعاً في التأثر بها والتضرر من انعكاساتها السلبية.  

 

فمن هذه البنود المتعلقة بالتغير المناخ هو البند أو البرنامج الخاص بتقنيات ومصادر الطاقة النظيفة والمتجددة غير الملوثة لبيئتنا، والتي تشتمل على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما من مصادر الطاقة التي تحمي كوكبنا من شر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما المؤثرة على سكان الأرض جميعهم. كذلك هناك البند المتعلق بالمواصلات، حيث تبنى بايدن الإنفاق على دعم السيارات الكهربائية والتخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بالجازولين والديزل بحلول عام 2035، أي منع انبعاث الغازات المسؤولة عن حدوث التغير المناخي لكوكب الأرض. وعلاوة على ذلك فهناك البنود المختصة بقطاع الزراعة وخفض إطلاق الملوثات المناخية من تريبة الحيوانات والمواشي، وزراعة المحاصيل.

 

فهذه الحالة الأمريكية تذكرني بالكثير من القضايا والمشكلات الدولية التي نزلت على كوكب الأرض الذي نشترك جميعاً في الحياة عليه، فمعظم هذه المشكلات كانت بسبب عبث هذه الدول المتقدمة الصناعية ببيئتنا منذ بزوغ فجر الثورة الصناعية الأولى قبل نحو قرنين، ومعظمها كانت تقف وراءها هذه الدول العظمى، ولذلك تقع عليها المسؤولية الأخلاقية في تحمل المسؤولية الكبرى في علاجها ومواجهتها من ناحية سن القوانين على المستويين القومي والدولي والإنفاق على كافة جهود الحماية والتصدي لها، فبدون تعاون وجهود وإنفاق هذه الدول الكبرى فالمشكلات الدولية ستظل تراوح في مكانها، كما هو الحال الآن بالنسبة للتغير المناخي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق