الثلاثاء، 12 أكتوبر 2021

تحركات مشبوهة من شركات اللقاح

المشهد الأول للصراع الطويل مع فيروس كورونا العصيب يبدأ مع السباق المحموم لدول العالم ممثلة في شركاتها العملاقة المتخصصة في إنتاج اللقاحات من أجل نيل السبق في إنتاج أول لقاح، وفي المشهد نفسه تضخ الدول الغربية بصفةٍ خاصة الملايين من الدولارات في جيب شركاتها للإسراع في إنتاج اللقاح الفاعل والآمن والقادر على حماية صحة الناس من هذا الفيروس الذي انتشر في أجسام البشر في كل دول العالم بدون استثناء كانتشار الدم في أعضاء أجسامنا. ثم ننتقل إلى المشهد الثاني حيث تَّدعي بعض الشركات الكبرى وفي وقت زمني غير مسبوق بنجاحها في إنتاج اللقاح وإجرائها التجارب الأولية الضرورية للتأكد من سلامتها، وأمنها، وفاعليتها لمكافحة الفيروس، وفي الوقت نفسه تقديمها للطلب للدول للسماح لها بالاستخدام الطارئ العاجل لهذه اللقاحات وبدون استكمال كافة التجارب والإجراءات المتبعة علمياً ومنهجياً عند إنتاج أي لقاح ضد الأمراض المعدية.   

 

وبعد هذين المشهدين نجد أنفسنا أمام المشهد الثالث، حيث يفتح الستار على مشهد انتهاء بعض الدول الغربية المتقدمة والدول الثرية من الجرعة الأولى من اللقاح الخاص بحماية أجسادنا ضد فيروس كورونا العقيم وانتشار التصريحات من شركات إنتاج اللقاحات كلها بالحاجة الماسة الضرورية إلى الجرعة الثانية من اللقاح لإتمام واستكمال عملية حمايتنا من شر هذا الوباء الكئيب الذي نزل على البشرية جمعاء.

 

واليوم، نواصل المشهد الثالث، حيث باشرت هذه الشركات نفسها بالاسطوانة القديمة المتكررة بالتسويق والتصريح، وبدون وجود أدلة ميدانية قوية ودامغة، بأن الجرعتين السابقتين غير كافيتين لتقوية مناعة الإنسان لمقاومة هذا الكرب العظيم، كما صرحت هذه الشركات العملاقة بأن تأثير الجرعتين يَضْعفْ ويقل مع الوقت خلال أشهر قليلة، ثم يزول كلياً فيجعل الإنسان أعزل وبدون سلاح قوي للتصدي لهذا الفيروس والوقوف في وجهه، مما يستدعي، حسب ادعاءات هذه الشركات ضرورة أخذ جرعة ثالثة، أو جرعة منشطة ومعززة، وأُطلق عليها "بُوستر"، وذلك من أجل إعادة وتقوية المناعة إلى جسم الإنسان.

 

فعلى سبيل المثال، صرحتْ رئيسة مجموعة فايزر للأدوية الحيوية، أنجلا هوانج، في مؤتمر للمستثمرين في 15 سبتمبر من العام الحالي، حسب ما نُشر في صحيفة الفاينانشيل تايمس في 17 سبتمبر، بأن المعلومات المتوافرة لدى المجموعة تؤيد أخذ الجرعة الثالثة المنشطة لحماية صحة الأفراد والصحة العامة والتي تؤدي إلى إنهاء هذا الوباء بسرعة أكبر، حيث قالت: "البُوسْتَر مهم، البوستر ضروري، فهذه طريقة نحتاج إليها لحماية الأفراد وعامة الناس". كما أنني سمعتُ أصداء هذه التصريحات قادمة أيضاً من الرئيس التنفيذي لشركة مودرنا ستيفان بانسل(Stéphane Bancel) الذي أكد على أن تأثير اللقاح ينكمش رويداً رويداً مع الوقت حتى ينتهي كلياً، مما يثبت، حسب ادعاءاته ضرورة التلقيح للمرة الثالثة. وقد أفادت هذه الشركات بأن تأثير اللقاح لحماية الصحة يزول بعد 6 إلى 8 أشهر بعد الجرعة الثانية، وادعت بأن فاعلية اللقاحات تنخفض نحو 6% كل شهرين بعد الجرعة الثانية، فالجرعة الثالثة مهمة جداً لأنها تعيد فاعلية حماية الإنسان ضد الفيروس.

 

وجدير بالذكر فإن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية اتخذت موقفاً وسطاً بين ادعاءات هذه الشركات والأدلة العلمية التي لا تتفق مع رأي الشركات، حيث قررت في 22 سبتمبر من العام الجاري عند دراستها لطلب شركة فايزر السماح لأخذ الجرعة المنشطة الإضافية من لقاح فايزر_بيونتك (Pfizer-BioNTech) لمن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً ومن يعانون من مشكلات صحية محددة ترفع من احتمال إصابتهم لكورونا، كذلك من هم وظائفهم تُعرضهم لخطر الإصابة، مثل القطاع الصحي، وفي الوقت نفسه رفضت الموافقة على تلقيح عموم الناس بهذه الجرعة، أي لمن تزيد أعمارهم عن 16 عاماً، لعدم وجود الدليل الكافي على أنه آمن وفاعل في هذه المرحلة من الوباء. كذلك فإن مجلة الطبيعة المرموقة في العدد الصادر في 17 سبتمبر من العام جاري نشرت مقالاً معمقاً وشاملاً تحت عنوان: "المناعة بعد اللقاح تتضاءل، فكم هذا يهم الإنسان؟، حيث نقلت فيه الآراء المختلفة حول الجرعة المنشطة، وأكد المقال على أنه لا يوجد إجماع علمي حول هذه القضية، مما يعني ضرورة عدم الاستعجال في التلقيح بالجرعة الثالثة، وخاصة أن هناك الكثير من الدول حول العالم التي لم تتلق شعوبها أية جرعة حتى الآن.

 

وكل هذا الجدل الذي دار ويدور حالياً حول الجرعة الثانية، والجرعة الثالثة المنشطة، ليس جدلاً علمياً بحتاً بين رجال العلم والمراكز البحثية، وإنما تَدَخَل فيه بقوة رجال السياسة والنفوذ، علاوة على قادة شركات إنتاج اللقاح، فهذه القضية مالية بدرجةٍ كبيرة، ولها علاقة مباشرة بأرباح الشركات ومكاسبها المالية التي بالفعل تضخمت وازدهرت منذ اليوم الأول لبيع اللقاح، بل وإن كل لقاح، أو جرعة تتم الموافقة عليها من قبل الجهات الحكومية المعنية في الدول تنعكس مباشرة على قيمة أسهم هذه الشركات، وعلى القيمة السوقية لها، علاوة على إيراداتها وأرباحها المباشرة وثراء مسؤولي هذه الشركات.

 

فعلى سبيل المثال، فبعد رفض اللجنة الاستشارية الخاصة بإدارة الدواء والغذاء الأمريكية السماح لجرعة ثالثة إضافية، هبط سهم شركة فايزر بنسبة 1.3%، وبيونتك 3.6%، كما تراجع سهم موديرنا بنسبة 2.4%، بناءً على المعلومات المنشورة في مجلة "فوربس الشرق الأوسط" في 17 سبتمبر من العام الجاري.

 

فالقضية بالنسبة لشركات الأدوية واللقاح، وبعض رجال السياسة والقانون في الكثير من الدول المتقدمة ليست إنسانية بحتة، وليست من أجل حماية صحة البشر حول العالم أجمع في المقام الأول، فنواياهم ليست خالصة لوجه حماية الصحة العامة للإنسان، ولكن هذه القضية تختلط بها بدرجةٍ كبيرة ومشهودة تحقيق الأرباح الكبيرة الفاحشة والسريعة، كما هي طبيعة وثقافة هذه الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي يهمها في الدرجة الأولى الربح السريع والكبير على حساب كل شيء آخر.

 

ولما كانت قضية جرعات اللقاح مرتبطة بجمع المال وكنزه والإثراء الفاحش، فإن الشركات المعنية ستلهث وراءها ولن تتوقف عن اقناع الحكومات بضرورة أخذ جرعات اللقاح المتعددة والمختلفة القادمة، بل وإنها ستبتدع حيلاً شيطانية لطرح أنواع مختلفة من جرعات اللقاح، وسنجد أنفسنا أمام مشاهد جديدة لا تنتهي حول إنتاج اللقاح. فهذه الشركات تستهدف الآن فئة الأطفال حيث تتقدم بطلب للسماح لها بجرعات للأطفال من عمر 5 أو 3 إلى عمر 12 سنة وتدَّعي بأنها آمنة، ثم ستقوم بتقديم طلب للقاح لمن هم أقل من 3 سنوات، كما أنها بدأت تُلمح للجرعة الرابعة، أو الجرعة السنوية الدائمة مدى الحياة كلقاح الإنفلونزا الموسمي. وفي الوقت نفسه شرعت في التفنن في أنواع اللقاح التي تطرحها للناس، مثل اللقاح المزدوج والذي يجمع بين نوعين مختلفين في التقنية والفكرة من أنواع اللقاح المتوافرة في الأسواق، أو فكرة الخلط والتركيبة المزدوجة بين اللقاح الخاص بمكافحة فيروس كورونا(مرض كوفيد-19)، واللقاح الخاص بمواجهة فيروس الإنفلونزا الموسمي السنوي، حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا للمستثمرين بأن الأولوية القصوى للشركة هي إنتاج جرعة منشطة يتلقاها الناس كل عام وتحمي من كوفيد-19 والإنفلونزا وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى في آن معاً، وأنا أُطلق عليها بالجرعة "الجامعة"، ثم بعد كل هذا سيطرحون فكرة الجيل الثاني والثالث من اللقاحات ضد كورونا، مثل اللقاح الذي يُؤخذ على صورة بخاخة للأنف، وهكذا إلى أجلٍ غير مسمى حتى يمتصوا دماء وأموال الشعوب والحكومات، فهناك أكثر 7.8 مليار إنسان بحاجة إلى هذا اللقاح سنوياً وينتظرون دورهم، والكثير منهم لم يتلق حتى الساعة الجرعة الأولى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق