الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

قرار مجلس حقوق الإنسان

القرار الذي صدر في الثامن من أكتوبر من العام الجاري من مجلس حقوق الإنسان التابع للأم المتحدة، كان قراراً مُوفقاً في مضمونه ومحتواه، ولكن لم يكن موفقاً في توقيته وزمن صدوره. أما بالنسبة للمحتوى فقد جاء القرار مواكباً للتطورات العلمية والبيئية الحديثة، ومتماشياً مع المستجدات البحثية حول أضرار التلوث المهلكة والمدمرة لصحة الإنسان ومكونات بيئته الحية وغير الحية، ودور هذه الملوثات في البر والبحر والجو على إعاقة استدامة حياة الإنسان على وجه الأرض من الناحيتين النوعية والكمية، فلا حياة سليمة مع وجود التلوث، ولا حياة صحية مع الملوثات، ولا حياة كريمة وسعيدة في أجواء تحيط بها سموم الملوثات من كل جانب وعن أيماننا وعن شمائلنا، وفي كل شبرٍ من كوكبنا.

 

فالقرار رقم (48/L.23) حول "حق الإنسان في بيئة آمنة، نظيفة، صحية ومستدامة" صدر بالأغلبية الكبرى، حيث وافقت عليه 43 دولة من بين 47، ولم يُصوت أحد ضد القرار، في حين أن أربع دول امتنعت عن التصويت، وهي الصين والهند واليابان وروسيا. وبهذا القرار اعترف المجلس رسمياً بحق الإنسان من ضمن الحقوق التقليدية الأخرى في العيش في بيئةٍ آمنة، نظيفة، صحية، ومستدامة، كما شجع المجلس في قراره التاريخي هذا الدول إلى تبني سياسات مناسبة قومية للتمتع بالحق في بيئة آمنة، نظيفة، صحية، ومستدامة، ويتضمن ذلك احترام التنوع الحيوي والأنظمة البيئية. كذلك دعا القرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لأخذ هذا الأمر في الاعتبار والعمل مع بعض لتفعيل هذا الحق الإنساني المشترك والجديد.

 

وجدير بالذكر فإن مملكة البحرين هي الدولة الوحيدة من بين دول مجلس التعاون التي كانت حاضرة في هذا الاجتماع، متمنياً أن تقود مملكة البحرين حملة قوية لتنفيذ هذا القرار على عدة مستويات. أما المستوى الأول فهو ضم هذا القرار في التشريعات الوطنية، وإذا أمكن إدخاله في أحد بنود دستور مملكة البحرين، ثم المستوى الثاني على دول مجلس التعاون من خلال وضع محتوى ومبادئ القرار ضمن جدول أعمال اجتماعات القمة القادمة، وأخيراً على مستوى الجامعة العربية والمنظمات الإسلامية.

 

فهذا القرار إذن له أهميته الكبرى من حيث المضمون، ولكن في الوقت نفسه فإن هذا القرار لم يكن موفقاً من ناحية التوقيت، فلم يأت في الوقت المناسب وجاء متأخراً كثيراً بعد أن وقع الضرر العصيب على الإنسان وبيئته، وبعد أن توغلت الملوثات في كافة مكونات بيئتنا وتعمقت وتغلغلت في كل عناصر بيئتنا القريبة والبعيدة وفي الماء والهواء والتربة وفي أعالي السماء وفي أعماق المحيطات السحيقة والمظلمة، وبعد أن أصبحت هذه الملوثات جزءاً لا يتجزأ من أعضاء أجسادنا، ومن كل خليةٍ تنبض بالحياة فيها. كما أن هذا القرار الأممي صدر بعد أن كشَّر التلوث عن أنيابه بوضوح، فظهر على صور مشاكل بيئية دولية مختلفة تهدد كوكبنا بالخطر والفساد المستدام مثل المطر الحمضي الذي لوث البشر والشجر والحجر، وانخفاض غاز الأوزون في طبقة الأوزون العليا التي أثرت على حياة الإنسان على سطح الأرض، وظاهرة التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض وتداعياتها المناخية والأمنية والاقتصادية العظيمة، إضافة إلى ظاهرة المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم التي بلغت كل بقعة من الأرض ودخلت في خلايا أجسامنا، كذلك التدمير الممنهج على مستوى الكرة الأرضية برمتها للتنوع الإحيائي بشقيه النباتي والحيواني وانقراض آلاف الأنواع منها من على سطح الأرض إلى الأبد وبدون رجعة. 

 

فمحاولات جعل الهم البيئي من ضمن حقوق الإنسان الأساسية قديمة نسبياً، والمبادرات التي كانت تسعى لإدخال الشأن البيئي في صلب حقوق الإنسان بدأت رسمياً وعلى مستوى الأمم المتحدة في أول مؤتمر تاريخي عُقد في يونيو من عام 1972 في مدينة ستوكهولم بالسويد حول البيئة البشرية.

 

فقد تمخض عن هذا المؤتمر إعلان مكون من 26 مبدأ، حيث أكد الإعلان في البند الأول بأن "البيئة الطبيعة والصناعية مهمة لحياة الإنسان وللتمتع بالحقوق الأساسية للإنسان"، كما أكد البند الثاني بأن "حماية وتحسين البيئة الإنسانية قضية رئيسة تؤثر على حياة الناس والتنمية الاقتصادية في كل العالم.....وهي من واجبات جميع الحكومات"، كما جاءت مؤتمرات أخرى كثيرة لتؤكد على هذه المبادئ المتعلقة بحق الإنسان بين الجيل الواحد وبين الأجيال المتلاحقة في الحرية والمساواة في ظروف عيش مناسبة، وفي بيئة تسمح نوعيتها بالحياة في ظل الكرامة وتحقيق الرفاه، كما أكدت هذه الاجتماعات الأممية على أن الحكومات هي التي  تتحمل المسؤولية الرسمية في حماية البيئة والنهوض بمواردها الحية وغير الحياة والحفاظ على استدامة عطائها وإنتاجها، ومن بين هذه المؤتمرات التاريخية قمة الأرض التي عقدت في مدينة ريو البرازيلية حول البيئة والتنمية في يونيو 1992، والتي تمخض عنها إعلان ريو الذي يتألف من 27 مبدأ.

 

ولذلك في تقديري فإن قرار مجلس حقوق الإنسان الذي يعترف رسمياً وعلى مستوى الأمم المتحدة بحق الإنسان في أن يعيش في بيئة سليمة وصحية وخالية من الملوثات جاء متأخراً أكثر من خمسين عاماً عجافاً من الناحية البيئية، وبالرغم من هذا القرار التاريخي إلا أنه سيظل مع ذلك قراراً جميلاً على الورق لأنه في نهاية المطاف غير ملزمٍ للدول، ولا توجد أية آلية دولية فاعلة لمراقبة تنفيذ هذا القرار، ومتابعة تطبيقه بأي شكلٍ من الأشكال على المستويين القومي والدولي، أي أن كل دولة حسب ظروفها، وقناعاتها، وحساباتها السياسية الحزبية، ومصالحها القومية ستُقرر كيف تتعامل مع هذا القرار الأممي، إما سلباً أم ايجاباً.

 

ولذلك فإنني أؤكد لكل من يهتم بحقوق الإنسان عامة، سواء على مستوى الأفراد، أو الجمعيات والمنظمات، أو الحكومات، فإن عليهم جميعاً أن يهتموا بحقوق الإنسان في شموليته وكماله، فيغطوا ويرعوا كافة الجوانب والأبعاد المتعلقة بهذه الحقوق الأساسية، فلا يكف أن ينال الإنسان حقه في التعبير وفي الوقت نفسه يستنشق هواءً ملوثاً يفسد صحته ويتلف أعضاء جسده، ولا جدوى من حصول الإنسان على حقه في حرية الرأي فقط بينما يشرب ماءً مشبعاً بالسموم المدمرة لأمنه الصحي، ولا فائدة من إعطاء الإنسان حقه في التنوع الفكري وفي الوقت نفسه لا يجد تربة صالحة غير ملوثة ومهيأة للزراعة لتأمين غذائه السليم في كل يوم.

 

فأريد للإنسان أن يتمتع ببيئة سليمة ومتنوعة من الناحية الفكرية والعقلية، وفي الوقت نفسه يعيش في بيئة سليمة وصحية تقوي حياته من الناحية الجسدية والعضوية والنفسية، حتى نوفر له البيئة الصالحة والآمنة للإنتاج والعطاء والإبداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق