الخميس، 14 أكتوبر 2021

مؤتمر جاء في الوقت المناسب


مع نزول فيروس كورونا على البشرية جمعاء في كل بقعة صغيرة أو كبيرة من العالم، استجدت أمور كثيرة لم نكن نعرفها من قبل، وانكشفت بعض الأسرار والخفايا التي كنا نجهلها. ومن هذه الأمور علاقة هذا الفيروس العقيم بتفاقم بعض الأمراض المزمنة، ودور هذا الفيروس في زيادة أعداد المصابين بالمرض عند إصابتهم مِن قَبَل بأمراض أخرى، وعلى رأسها مرض البدانة والسمنة المفرطة.

 

وقد نُشرت الكثير من الدراسات والأبحاث الميدانية التي كشفت هذه الحقيقة الجديدة، وأكدت العلاقة بين السقوط في شباك مرض كوفيد_19 والأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد. فعلى سبيل المثال نشرت مجلة "العلوم" مقالاً في 11 سبتمبر 2020 حول تفاقم وشدة أعراض كورونا في حالة المصابين بالبدانة، حيث استنتجت الدراسة بأن من يعاني من الوزن الزائد أكثر عرضة للإصابة الحادة بكورونا، كما نشرت مجلة "مراجعات البدانة"(Obesity Reviews)في 26 أغسطس 2020 بحثاً حول هذه العلاقة من خلال تقييم حالة 399 ألف مريض، وقد توصل الباحثون إلى استنتاج عام بأن البدناء تزيد عندهم احتمال الإصابة بكورونا بنسبة 113% مقارنة بالأصحاء والذين أوزانهم طبيعية وبنسبة 74% أكثر من غيرهم في الدخول في أقسام العناية المركزة، و48% بالإصابة بالموت. فالبدناء تنخفض عندهم فاعلية جهاز المناعة وتزيد عندهم حالات الالتهابات المزمنة وتصلب الدم وتخثره، وكلها عوامل تفاقم وترفع من درجة الإصابة بكورونا.

 

وعلاوة على هذه الاكتشافات الجديدة بين مرض كورونا والبدانة، فإن تفشي هذا الكرب العظيم في شرايين المجتمع البشري لقرابة سنتين حتى الآن، ولهذه الفترة الطويلة من الزمن أدى إلى تفاقم ظهور وباء البدانة الصحية لدى عامة الشعب، وبخاصة لدى الأطفال والمراهقين، حيث زادت بشكلٍ مضاعف خلال هذه الفترة الزمنية العصيبة أعداد البدناء من الأطفال والشباب حول العالم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية خاصة حسب الدراسة التي نشرتها مراكز التحكم ومنع المرض في 17 سبتمبر من العام الجاري. فالدراسة المنشورة في مجلة تقارير أسبوعية حول الأمراض والوفيات(Morbidity and mortality weekly report) تحت عنوان:" أنماط دليل كتلة الجسم قبل وبعد وباء كوفيد_19 بين الأشخاص من عمر 2 إلى 19 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 2018 إلى 2020"، والتي غطت 432302 من الأطفال والشباب، قد أفادت بزيادة نسبة قياس وزن الفرد إلى طوله، أو ما يُعرف  بـ "مؤشر كتلة الجسم"(body mass index) من 19% قبل الوباء إلى 22% خلال الوباء، حيث تضاعف من 0.052 إلى 0.1 كيلوجرام لكل متر مربع في الشهر الواحد.

 

ونظراً لأهمية هذه القضية الصحية وانتشارها في كل أنحاء العالم، وبخاصة خلال نزول هذا الكرب الصحي العقيم، فقد نظمت جمعية السكري البحرينية بالتعاون مع وزارة الصحة ومستشفى الملك حمد الجامعي والكلية الملكية للجراحين في إيرلندا، مؤتمر "أكاديمية البحرين للسمنة" في الفترة من 17 وحتى 18 سبتمبر من العام الجاري في البحرين. وقد جاء في المؤتمر بأنه وحسب المسح الصحي الوطني الذي تم في مملكة البحرين عام 2018 فإن نسبة السمنة بلغت 25.7% بين المقيمين و 42.8% بين المواطنين، كما أن نسبة زيادة الوزن بلغت 39.8% بين المقيمين و 33.2 بين المواطنين، كما أكد المؤتمرون على أن البحرين شهدت تزايداً كبيراً في معدلات انتشار السمنة، حيث بلغت أكثر من ثلاثة أضعاف المعدلات الاعتيادية على مستوى العالم.

 

وهذا النمط المتزايد في ارتفاع نسبة البدناء والذين يعانون من الوزن الزائد ينطبق أيضاً على باقي دول الخليج، فالأرقام المتعلقة بالسمنة تشير إلى ازدياد النسبة بشكلٍ عام، وأنها أصبحت تمثل الوباء الجديد، فالإحصائيات تبين أن دول الخليج في تسابق لاحتلال المراكز الأولى في نسب الإصابة بالسمنة المفرطة حول العالم، فقد بلغت في الكويت 36% للذكور و 48% للإناث، والإمارات 25% و 42%، وفي البحرين 20% و 38%، وفي وقطر 32 و 19، وسلطنة عمان 8% و 17%.

 

ولذلك فنحن نواجه اليوم تحديين عظيمين غير مسبوقين في تاريخ البشرية، فيروس كورونا الخبيث من جهة الذي فتك بالبشرية جمعاء، والسمنة المفرطة والبدانة التي تفشت بين الأطفال والشباب خاصة من جهة أخرى، فلا بدن إذن من مواجهتهما معاً وفي آن واحد، وبسلاح فاعل واحد يقضي على الإثنين مرة واحدة. وقد تنبه رئيس الوزراء البريطاني، بُوريس جونسون، إلى هذه التحديات، حيث أعلن في 14 مايو من عام 2020 بأن الحرب ضد البدانة والوزن المفرط والسمنة الزائدة هي الخطوة الاستباقية الأولى والسياسية الوقائية التي يجب تبنيها من أجل النجاح في الحرب المعلنة منذ أكثر من ستة أشهر طويلة ضد فيروس كورونا الجديد.

 

وهذا الإعلان الواضح والصريح لم يأت من فراغ، ولم يُبن فقط على الأدلة العلمية والبراهين الدامغة حول العلاقة بين مرض فيروس كورونا والبدانة التي تعاني منها الكثير من المجتمعات المرفهة والمتحضرة، وإنما انطلق من أعماق قلب رئيس الوزراء البريطاني بسبب المعاناة الشخصية العصيبة التي وقع فيها، وقاسى من ويلاتها وآلامها. فقد أُصيب بمرض فيروس كورونا في أبريل عام 2020، وأدخل المستشفى نتيجة للأعراض الحادة التي ظهرت عليه، ثم مع اشتداد هذه الأعراض والآلام التي بدأ يعاني منها، تم نقله إلى قسم العناية المركزة، ونظراً لعدم وصول أجله المحتوم، فقد تعافى من المرض، وبعد خروجه من المستشفى تشكلت عنده عدة قناعات صحية شخصية، من أهمها بأن وزنه الزائد وسمنته المرتفعة أدت إلى وقوعه في فك الفيروس الخبيث، وتدهور حالته الصحية فجأة واحدة، فقد أكد رئيس الوزراء بأن البدانة هي التي تسببت في وقوعه في هذه التجربة القاسية، فعاهد نفسه على أن يبدأ بمحاربة البدانة في المجتمع البريطاني كأحد الإجراءات الصحية لمكافحة ومواجهة مخاطر كورونا.

 

ولذلك في مثل هذه القضايا الصحية الدولية المعقدة والمتشابكة لا بد من تكاتف وتعاون جميع الجهود على كافة المستويات، ولا مفرَّ من تبني السياسات الشاملة والمتكاملة على المستويين الدولي والقومي، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمنعها أولاً، ثم معالجتها والتخفيف من حدتها ثانياً. فالنسبة لمواجهة فيروس كورونا بالتحديد لا بد من أخذ اللقاح بشكلٍ متسارع، وفي الوقت نفسه الالتزام بالإجراءات الوقائية من التباعد الاجتماعي، ولبس الكمامات، وتجنب الاختلاط في المناطق المكتظة والمغلقة التي لا تتمتع بتهوية مناسبة. وأما بالنسبة لوباء الوزن الزائد والسمنة المتزايدة بين شعوب العالم، وبخاصة شعوب الدول المتقدمة والغنية، فلا بد من معالجة جميع العوامل المسببة لهذا المرض، سواء أكانت عوامل تقليدية معروفة لدى الجميع، مثل نوعية وكمية الغذاء، وممارسة الرياضة، والتدخين، ونمط حياة الفرد، أو العوامل التي انكشفتْ علينا حديثاً كالتعرض للملوثات الموجودة في الماء أو الهواء أو التربة، ومع مواجهة السمنة فإننا في الوقت نفسه نتصدى لأمراض أخرى مرتبطة بها كأمراض السكري، والضغط، وتصلب الشرايين، والقلب، والتهابات المفاصل، وبعض أنواع السرطان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق