الخميس، 18 نوفمبر 2021

مؤشرات فشل اجتماع جلاسجو للمناخ

 

لا أريد أن أكون متشائماً بالنسبة للتوصيات التي تمخضت عن الاجتماع رقم (26) للأمم المتحدة حول التغير المناخي والذي اختتم أعماله في 13 نوفمبر في مدينة جلاسجو البريطانية، ولكن التاريخ والوقائع والقرارات والتوصيات التي توافق عليها المجتمعون لا تدعوني إلى التفاؤل كثيراً حول مستقبل هذه الاجتماعات السنوية، وفاعليتها في اتخاذ القرارات الملزمة والحازمة والمصير المحتوم الذي يواجهنا جميعاً ويواجه كوكبنا من تداعيات وخيمة لا تحمد عقباها.

 

وهذا الشعور الداخلي الذي ينتابني بفشل الاجتماع، أو في الأقل عدم تحقيقه لأهدافه الرئيسة، إضافة إلى عدم تحقيقه لطموحات الشعوب وآمالها ومتطلبات واحتياجات الدول النامية والفقيرة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، يأتي من أقوال وتصريحات المسؤولين عن هذا الاجتماع خاصة، والمعنيين بمثل هذه الاجتماعات المناخية عامة، فجميع التصريحات لم تكن مشجعة كثيراً، ولم تكن قوية ومؤيدة لتوصيات الاجتماع الطوعية بشكلٍ عام.

 

فوزير الدولة البريطاني ورئيس المؤتمر ألوك شارما(Alok Sharma) ظهرت منه عدة مواقف وتصريحات تؤشر إلى ضعف توصيات وقرارات الاجتماع، وعدم مواكبتها لحجم الحدث وتداعيته على كوكب الأرض وعلى المجتمعات الفقيرة، فقبل أن يُسدل الستار على المشهد الأخير للإجتماع، لم يستطع أن يسيطر على عواطفه الجياشة، فكادت الدموع أن تذرف من عينيه، وقال: "في النهاية، كان من الأفضل أننا وصلنا إلى اتفاق في جلاسجو بدلاً من عدم الاتفاق"، كما عبَّر عن خيبة أمله في بعض التوصيات، وقدَّم اعتذاره للشعوب التي وضعت آمالها في هذا الاجتماع قائلاً: "أنا أقول لجميع المندوبين بأنني أعتذر عن الطريقة التي جرت بها هذه العملية، وأنا آسف بشدة"، كما أضاف:"أنا أتفهم أيضاً عن خيبة الأمل العميقة، ولكن كما لاحظتم بأنه من المهم جداً حماية هذه الاتفاقية"، وأخيراً قال بأن ما توصل إليه الاجتماع يُعد "انتصاراً هشاً.....ونحن نعلم جميعاً بأن طموحاتنا المناخية وأعمالنا حتى اليوم لا ترقى إلى تعهداتنا في باريس".

 

فكل هذه التصريحات الواضحة تشير بالنسبة لي ضمناً بأن الاجتماع قد فشل، ولم يرق إلى طموحات شعوب العالم، وبخاصة الشعوب الفقيرة الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، والأشد تأثراً بتداعياتها من سخونة الأرض وارتفاع حرارتها، والفيضانات، وحرائق الغابات وغيرها من الكوارث المناخية التي زادت في حدتها وتكرار حدوثها في السنوات القليلة الماضية.

 

وأما المؤشر الثاني على فشل الاجتماع فقد جاء من رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، حيث وصف الاتفاقية بأنها "مشوبة بخيبة الأمل"، كما قال: "لا يزال هناك عمل كبير هائل يتوجّب فعله في السنوات المقبلة".

 

وأخيراً صدر المؤشر الثالث من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حيث قال عن قمة المناخ "كوب 26"، بأن: "النص الذي تم الاتفاق عليه هو حل وسطي وتوافقي....ولكن لسوء الحظ فإن الإرادة السياسية الجماعية غير كافية للتغلب على التناقضات العميقة"، ونظراً لضعف التوصيات وعدم تحقيقها لأهداف الاجتماع، فقد قال: "حان الوقت الانتقال إلى حالة الطوارئ، أو فإن حظنا في بلوغ الحياد الصفري سيكون صفراً".

 

وعلاوة على هذه المؤشرات التي تُقنعني بفشل هذا الاجتماع الأخير خاصة، وضعف قدرة هذه الاجتماعات عامة على التوصل إلى "معاهدة مشتركة وملزمة"، وعدم قدرتها على وضع آلية لمراقبة ومحاسبة ومعاقبة الدول غير الملتزمة هي العامل التاريخي الذي يمتد قرابة خمسين عاماً من وضع قضية التغير المناخي في جدول أعمال اجتماعات الأمم المتحدة الرسمية. فربما أول إشارة إلى قضية التغير المناخي كانت في قمة الأرض التاريخية الأولى حول البيئة البشرية والتي عُقدت في ستوكهولهم بالسويد في الفترة من 5 إلى 16 يونيو 1972، حيث حذَّر إعلان ستوكهولم من تهديدات هذه القضية على الإنسان وكوكب الأرض، ثم بعد عشرين عاماً، وبالتحديد في عام 1992 وافق المجتمع الدولي في قمة الأرض الثانية في مدينة ريو دي جانيرو على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي، تمهيداً للتفاوض حول الوصول إلى اتفاقية شاملة ومشتركة وملزمة لجميع الأطراف الموقعة. فبدأ الاجتماع الأول للدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي في برلين في مارس 1995، ثم جاء الاجتماع الثالث في كيوتو في ديسمبر 1997، والذي نجح في وضع معاهدة تلتزم بها الدول الصناعية المتقدمة الكبرى في الحد من انبعاثاتها من الغازات المتهمة برفع حرارة الأرض، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي هذا الاجتماع تقدم العالم خطوة قوية للأمام، واستبشرت دول العالم خيراً في العمل معاً على مكافحة تداعيات التغير المناخي، ولكن بسبب التقلبات السياسية في أكبر دولة ملوثة مناخياً للبيئة، وتغير القيادات السياسية والتشريعية من الرئيس كلينتون إلى الرئيس بوش والذي انسحب من المعاهدة في مارس 2001، فرجع العالم خطوات طويلة إلى الوراء وانشل العمل بالمعاهدة، فتوقفت الجهود الدولية لخفض الانبعاث بشكلٍ دولي ملزم، أي رجع العالم إلى عام 1992. ثم بعد سنوات طويلة عجاف من المفاوضات الماراثونية العقيمة والتي بلغتها ذروتها في اجتماع باريس لعام 2015، والذي توصلت فيه دول العالم إلى هدف عدم السماح لرفع درجة حرارة الأرض أكثر من درجة ونصف الدرجة مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعية من خلال التعهد "الطوعي" من جميع دول العالم على خفض الانبعاث، علماً بأن معدل درجة حرارة الكرة الأرضية ارتفع حتى الآن 1.1 درجة مئوية، ولكن هذه الاتفاقية أيضاً لم تر النور كثيراً حيث بعد توقيع الرئيس الأمريكي أوباما على الاتفاقية، جاء ترمب فلم يعترف بها، وانسحب كلياً منها، فرجع العالم مرة ثانية إلى خط البداية، أو نقطة الصفر.

 

فهذه الوقائع التاريخية المشهودة تثبت لي بعدم جدوى توصيات اجتماعات التغير المناخي لأنها غير إلزامية وتعتمد على ضمير وجهود كل دولة للقيام بواجباتها تجاه خفض الانبعاث حسب إمكاناتها، وظروفها، ومواردها الداخلية، وسياساتها القومية، كما أنها في الوقت نفسه ليست لديها القدرة على مراقبة ومحاسبة ومعاقبة الدول غير الملتزمة بالقرارات، وبخاصة الدول العظمى التي لا يستطيع أحد محاسبتها مهما فعلت وأخلت بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية. 

 

والآن بالنسبة للاجتماع المناخي المنصرم والاجتماعات القادمة في المستقبل، فإنها مهما فعلت وقدَّمت من قرارات ملزمة، أو طوعية فإنها لا تستطيع الآن مواكبة التغيرات المناخية الواقعة منذ مئات السنين والتي تتفاقم تأثيراتها يوماً بعد يوم، كما أن قرارات أي مؤتمر مستقبلي مهما كانت قوية وحازمة فإنها لن ترقى إلى التداعيات الكارثية التي تشهدها الكرة الأرضية من سخونة الأرض، وارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة حمضيته، وزيادة موجات البرد والحر والفيضانات والحرائق، كذلك فإن هذه القرارات لن تلحق بسرعة وحجم انبعاثات الغازات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض منذ بدء الثورة الصناعية قبل أكثر من مائتي عام، ولن تنجح في مواكبة سرعة ارتفاع وتراكم تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الأخرى سنوياً في الهواء الجوي، فأي قرار قادم سيكون متأخراً جداً وذي فاعلية وتأثير محدودين، فالدمار الذي يلحق بكوكبنا نتيجة للتغير المناخي أشد وأسرع بكثير من الخطوات البطيئة، والإجراءات الطوعية التي قد تتخذها دول العالم حالياً وفي المستقبل.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق