الثلاثاء، 2 نوفمبر 2021

أمراض الشيوخ يسقط فيها الشباب

نشرتُ مقالاً في أخبار الخليج في 13 أبريل 2019 تحت عنوان: "شهادة طبيب بحريني"، وحذرتُ فيه انطلاقاً من دراسات الحالات المرضية السريرية من المصابين بأمراض القلب من الشباب، من ظاهرة جديدة بدأت تتوغل في المجتمع البحريني، وأخذت هذه الظاهرة المستجدة تتعمق وتزيد وتتفاقم بشكلٍ متسارع كل سنة، واليوم أؤكد على جدية وتفشي هذه الظاهرة المرضية القاتلة استناداً إلى تحذيرات جديدة من أطباء القلب في البحرين، واعتماداً على الأبحاث الميدانية والدراسات الواقعية لهذه الحالة المرضية في بلادنا، حتى إنني أستطيع أن أُجزم بأن هناك إجماعاً لدى المجتمع الطبي في البحرين، وبخاصة بين الأطباء المختصين في أمراض اللقب بواقعية هذه الظاهرة.

 

وهذه الظاهرة المرضية تتلخص في قضيتين صحيتين رئيستين. الأولى هي الازدياد المطرد بشكلٍ عام في أعداد المصابين بأمراض القلب في البحرين، والقضية الثانية وهي الأهم والأشد تهديداً للأمن الصحي لهذا الجيل والأجيال القادمة، وبالتحديد من الأطفال والشباب، وهي تعرض هؤلاء الشباب لأمراض القلب التي كانت تقليدياً وفي السنوات الماضية يسقط في شباكها كبار السن والشيوخ من الذين بلغوا من الكبر عتياً، واشتعل رأسهم شيباً.

 

فقد نَشرتْ صحيفة أخبار الخليج في العدد الصادر في العشرين من سبتمبر من العام الجاري تحقيقاً حول أمراض القلب في البحرين، وتضمن التحقيق لقاءً مع الدكتور عادل خليفة استشاري أمراض كهرباء القلب رئيس قسم كهرباء القلب بمركز محمد بن خليفة آل خليفة التخصصي للقلب حيث قال بأنه "من خلال المتابعة الطبية في عيادات القلب، تم رصد ظاهرة خطيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وتمثلت في ارتفاع معدل إصابة الشباب في سنٍ مبكرة بأمراض القلب والشرايين مقارنة بما هو متعارف عليه طبياً والمحدد بإصابة من هم فوق الستين عاماً بهذه الأمراض وتصنيف من يصابون بها في سن 45 عاماً بمرضى القلب المبكرة"، كما أكد على أن هذه الظاهرة "مقلقة للغاية وتستدعي القيام بالدراسات والبحوث للوقوف على أسبابها، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة ليست حكراً على البحرين، أو منطقة الخليج، بل هي موجودة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ولكنها برزت بشكلٍ أكبر في منطقتنا".

ومن خلال متابعاتي لهذه الحالة المرضية في البحرين وفي دول العالم أجمع والاطلاع على الأبحاث العلمية المنشورة حول هذه الظاهرة العالمية، فإنني أستطيع أن أُلخص الأسباب في المصادر التالية:

أولاً: التدخين، وبالتحديد حرق التبغ في السجائر التقليدية المعروفة أو في الشيشة، فلا يوجد أي خلاف بين جميع العلماء، ولا توجد أدنى شبهة بأن التدخين تنبعث منه أكثر من 4000 مادة ملوثة وسامة، منها أكثر من 12 مادة معروفة بأنها مسببة للسرطان، مما يؤدي إلى سقوط المدخن وكل من يجلس حوله إلى الوقوع في أكثر من 14 نوعاً من أنواع مرض السرطان العصيب، مثل الرئة، والفم، والحنجرة، إضافة إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي. وقد الدكتور عادل على هذه الحقيقة قائلاً بأن: "مدخني السجائر والشيشة الإلكترونية يواجهون احتمالاً أكبر للإصابة بأمراض القلب، وأن نسبة الأزمات القلبية في صفوفهم أعلى بـ 34% مقارنة بغيرهم، كما يواجهون الإصابة بأمراض الشرايين التاجية بنسبة 25%". وعلاوة على ذلك فقد أشار الدكتور إلى قضية مهمة جداً قد يغفل عنها البعض وهي أن السجائر أو الشيشة الإلكترونية تؤثر على الصحة، وبخاصة على القلب، حيث أكدت دراسات كثيرة على أن من بين الانعكاسات الصحية لتدخين السجائر الإلكترونية هي أنها تؤدي إلى حالة "الإجهاد التأكسدي" والتي ينجم عنها تلفْ الحمض النووي وارتفاع احتمال الإصابة بأمراض القلب، إضافة إلى أنها تسبب تلف وفشل عضلة القلب والإصابة بضغط الدم، مما ينجم عنه تصلب الشرايين والإصابة بجلطات القلب والسكتة الدماغية.

ثانياً: التعرض للملوثات الكيميائية والفيزيائية كالضوضاء والأصوات المرتفعة من مصادر مختلفة مثل السيارات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع. وهناك الكثير من الأبحاث المنشورة التي تؤكد مخاطر التلوث الكيميائي والفيزيائي على صحة الإنسان عامة، وعلى القلب خاصة، منها الدراسة تحت عنوان: "التعرض طويل الأمد للجسيمات الدقيقة الصغيرة ومخاطر التصلب الجانبي الضموري(Amyotrophic Lateral Sclerosis)"، والمنشورة في مجلة شؤون صحة البيئة في 9 سبتمبر 2021، حيث أشارت الدراسة إلى أن ملوثات الهواء الجوي من السيارات تسبب هذا المرض القلبي، كما أفادت دراسة أُجريت في هولندا ونُشرت في مجلة شؤون صحة البيئة في 15 سبتمبر من العام الجاري تحت عنوان :"التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء ومخاطر الإصابة بمرض الرجفان الأذيني(Atrial Fibrillation) عند النساء"، بأن الدخان، أو الجسيمات الدقيقة الصغيرة الحجم تُعرض النساء خاصة للإصابة بالرجفان الأذيني التي هي ضربات القلب السريعة غير المنتظمة والمتسارعة، والتي يمكن أن تزيد خطر التعرض للسكتات الدماغية، أو فشل القلب، أو أي أية مضاعفات أخرى تؤثر على أداء ووظيفة أهم عضو في جسم الإنسان. كذلك نُشرت دراسة في مجلة "الدورة الدموية" (Circulation) في 12 يونيو 2021 تحت عنوان: "ارتفاع تركيز الجسيمات الدقيقة وتأثيرها على القلب( acute myocardial infarction (MI))"، حيث أشارت إلى أن التعرض للدخان من السيارات يزيد من مخاطر الإصابة أو التعرض لأمراض القلب الحادة خلال سويعات قليلة، ويستمر تأثيره أيام لأنها تدخل مجرى الدم وإلى كل أعضاء الجسم بما في ذلك خلايا القلب، والمخ، والمشيمة.

كما أكدت دراسة جامعة وشاملة أجريت على المستوى الدولي ونشرت في مجلة اللانست المعروفة طبياً (The Lancet Planetary Health) في الأول من يونيو 2020 بأن تلوث الهواء في كل أنحاء العالم، وبخاصة من الدخان، يُعد من أكبر التهديدات والمخاطر للإصابة بأمراض القلب المختلفة، ثم الموت مبكراً بسبب ملوثات الهواء الجوي.

ومن جانب آخر هناك الأبحاث التي أكدت على التأثيرات الصحية المزمنة للتلوث الفيزيائي المتمثل في الضوضاء والإزعاج والأصوات المرتفعة على عمل وأداء القلب والإصابة بالأمراض المتعلقة به. فعلى سبيل المثال هناك الدراسة المنشورة في مجلة "المراجعات السنوية للصحة العامة(Annual Review of Public Health ) في أبريل 2021 تحت عنوان: "التأثيرات الضارة على القلب من ضوضاء السيارات مع التركيز على الضوضاء أثناء الليل"، إضافة إلى دراسة ثانية نُشرت في المجلة نفسها في أبريل 2020 تحت عنوان: "التأثيرات الضارة للضوضاء من السيارات على الأوعية الدموية القلبية".

ثالثاً: وعلاوة على ما سبق، فهناك عوامل أخرى تُعجِّل من سقوط صغار السن في أمراض القلب الخاصة بالشيوخ، كشرب الخمر، وعدم ممارسة الرياضية والأنشطة الجسدية عام، وسوء التغذية نوعياً وكمياً، إضافة إلى حالة الإنسان النفسية من القلق والاكتئاب.

وبالتالي إذا أراد الشباب أن يحافظوا على قوة قلوبهم واستدامة أدائه لوظيفته وتجنب أمراض كبار السن القلبية، فعليهم أولاً تجنب العادات السيئة، وعلى رأسها التدخين وشرب الخمر، ثم الابتعاد عن مصادر التلوث، وأخيراً التغذية المتوازنة والمعتدلة من الناحيتين الكمية والنوعية وممارسة الرياضة، كما أن الحكومة إذا أرادت أن تحافظ على ثروة الوطن البشرية فعليها منع مصادر تدمير صحة الشباب والأطفال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق