الثلاثاء، 23 نوفمبر 2021

أمن الثروة السمكية

كتبتُ في 31 أكتوبر من العام الجاري تغريدة جاء فيها: "معركة محتدمة بين دولتين متقدمتين هما فرنسا وبريطانيا على الثروة السمكية البحرية، ونحن لدينا هذه الثروة ولكن لا تحظى منا بالاهتمام والرعاية والحماية التي تليق بأهميتها كمصدر للأمن الغذائي وثروة طبيعية متجددة".

 

وتفاصيل هذا الخبر تهمني في البحرين، كما تهم وتخص كافة الدول التي أنعم الله عليها بنعمة البحر عامة، وبالخيرات الطبيعية المتجددة الوفيرة خاصة المخزونة في بطن هذه البيئة الثرية غذائياً وسياحياً واجتماعياً واقتصادياً، والتي تفتقر إليها الكثير من دول العالم.

 

فالثروة السمكية، كما هي بالنسبة للثروات والموارد الطبيعية المشتركة بين الدول، سواء هي النفط والغاز الطبيعي، أو الماء، فكلها تكون عادة الفتيلة والوقود الذي يشعل الحروب بينها، وقد يجعلها تستمر فترة طويلة من الزمن دون توقف. فهذا المورد البحري الغني المشترك بين فرنسا وبريطانيا، ومصائد الأسماك الثرية بينهما، كانت ومازالت تثير النزاعات بين هاتين الدولتين الجارتين، حيث وقعت عدة مناوشات وصدامات ومعارك بين سفن الصيد منذ زمن طويل وحتى يومنا هذا، منها على سبيل المثال في أكتوبر 2012، وفي عام 2018، واليوم ومنذ نهاية أكتوبر والأزمة على مواقع الصيد لم تحل بعد. وهذه النزاعات في تقديري ستتفاقم مع الزمن وستزيد حدتها وستتواصل الأزمة، وبخاصة بعد "البركسيت"، أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث ظهرت وانكشفت العديد من القضايا والمشكلات العصيبة التي لم يفكر في تفاصيلها من دعا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومنها حصة ونصيب بريطانيا من صيد الأسماك ومصائد هذه الأسماك، فالمشكلة دائماً تقع وترتفع وتيرة وحدة الخلاف عندما يدخل الإنسان ويواجه التفاصيل المعقدة والمتشابكة في أية قضية. 

 

فمثل هذه النزاعات على هذه الثروة البحرية من المفروض أن تدعونا في البحرين إلى العض على هذه الثروة بالنواجذ، والمحافظة عليها، وحمايتها، وتأهيلها وتطويرها، وعدم الإفراط فيها ولو بشبرٍ بسيط، لما لها من أهمية في جوانب كثيرة متعددة، وعلى رأس القائمة أمن الثروة السمكية، المرتبط مباشرة بالأمن الغذائي الفطري في البحرين.

 

فسياستنا في التعامل مع الأمن الغذائي الذاتي الذي يجب أن نوفره للشعب البحريني، يجب أن تكون مشابهة لسياستنا في أمن الطاقة، سواء من أجل توليد الكهرباء، أو تشغيل المصانع، أو تسيير السيارات والطائرات والباخرات. فالأولوية تكون لمصادر الطاقة الموجودة محلياً تحت أيدينا، فنعمل على استخراجها، ورفع فاعلية تشغيلها في محطات الكهرباء والمصانع، وتقنين وترشيد استهلاكها وإطالة عمرها حتى نضمن استدامة عطائها لفترة طويلة من الزمن، وبالتحديد النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى إدارة الملوثات المنبعثة عنها في جميع مراحلها، وبخاصة تلك التي تسبب التغير المناخي وسخونة الأرض، ثم في المرتبة الثانية من الأولويات تكون في تنويع مصادر الطاقة والتي يمكن الاعتماد عليها صيفاً وشتاءً لتوليد الكهرباء وفي الظروف المناخية المختلفة، مثل الطاقة الشمسية التي لا تغيب عن بلادنا في كل الفصول ولساعات طويلة من اليوم، إضافة إلى إنتاج وقود الهيدروجين من الغاز الطبيعي كمصدر نظيف ومتنوع للطاقة.

   

كذلك بالنسبة للأمن الغذائي، فالاعتماد أولاً يكون على مصدر فطري ذاتي للغذاء له خصائص ومميزات يمكن الاعتماد عليه دائماً، مثل خاصية الاستدامة، أي أن هذا المصدر موجود محلياً في كل الأوقات والظروف والمواسم ولا يقع تحت وطأة التغيرات الدولية في عملية الاستيراد والأهواء السياسية المتنافرة بين الدول، كذلك يتميز بخاصية التجديد، أي أنه لا ينضب، ولا ينتهي، ولا ينقطع إذا تمت إدارته بالأسلوب العلمي الصحيح، كما نمنع في الوقت نفسه كافة العوامل المؤثرة على عطائه وإنتاجه، إضافة إلى خاصية القيمة الغذائية العالية التي يجب أن يتمتع به هذا المصدر وتنوعه من حيث الطعم والحجم والشكل واللون.

 

فكل هذه الخصائص تتمتع بها فقط الثروة السمكية البحرية، إضافة إلى الموارد الأخرى الحية وغير الحية التي سخرها الله سبحانه وتعالى لنا في البيئة البحرية، مما يستوجب علينا وضعها في أول قائمة الأولويات في البلاد، وبخاصة تلك المتعلقة بالأمن الغذائي، فنمنع عن هذه الثروة كل ما يُعيق عطائها، أو يؤثر على إنتاجيتها واستدامة توفيرها لغذاء الشعب، لهذا الجيل والأجيال اللاحقة.

 

وفي العقود الماضية تعرضت هذه الثروة العظيمة لانتهاك حرماتها من جوانب كثيرة ومصادر متعددة، أضرت بها بشكلٍ جوهري عميق، وتركت بصماتها في كافة عناصرها الحية وغير الحية، وأثرت عليها بصورة جذرية يشهدها كل مواطن بحريني من ناحية تدهور هذه الثروة البحرية نوعياً وكمياً.

 

فأعمال الحفر، حسب معلوماتي مازالت مستمرة، وهذه الأعمال تدمر البيئة البحرية القاعية وتغير هويتها كلياً، وتقتل كل الكائنات الحية التي تعيش عليها، كما أنها تفسد نوعية مياه البحر من ناحية زيادة عكارتها وانعدام الرؤية فيها ودخول الأتربة الناعمة الصغيرة في أجسام الكائنات البحرية، كذلك عمليات الدفان المصاحبة للحفر فقد قضت كلياً وبدون رجعة ولأكثر من سبعين عاماً على بيئات منتجة كثيرة تحتضن هذه الثروة الغذائية الحية من أسماك وروبيان وقواقع ومحار، كبيئة الشعب المرجانية، وغابات أشجار القرم، وبيئات المد والجزر التي تعيش عليها الكائنات النباتية والحيوانية المغذية للثروة السمكية. وفي المقابل هناك المخلفات الصناعية ومخلفات مياه المجاري التي تحتاج إلى معالجة كاملة لكي تكون دائماً صالحة للصرف في البيئة البحرية. وعلاوة على ذلك كله فقد عانت الثروة السمكية من تهديدات جسيمة أثرت عليها من الناحيتين النوعية والكمية بسبب الصيد الجائر والعشوائي الذي استمر عقوداً طويلة من الزمن.

 

فهذه الثروة البحرية المتجددة وغير الناضبة والتي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق الأمن الغذائي الذاتي والفطري، يجب أن تكون العمود الفقري الذي نعتمد عليه لتحقيق الأمن الغذائي الذاتي والفطري والمستدام للبحرين، إضافة إلى تنويع مصدر الغذاء من ثروات حيوانية ونباتية يتم إنتاجها محلياً أو استيرادها من الخارج.  

 

ومن أجل تحقيق هذا الهدف علينا الاهتمام بهذه الثروة كما نهتم بالثروة النفطية، من حيث الأولوية، وتخصيص الميزانية المناسبة، ودراسة وعلاج كافة مصادر إفسادها، إضافة إلى تقوية الهيكل الإداري للجهة المعنية حالياً بالثروة البحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق