الأحد، 9 يناير 2022

بيان لا قيمة له من الدول الخمس الكبرى

صدر بيان مشترك في الثالث من يناير من العام الجاري من خمس دولة كبرى نووية هي الصين، وفرنسا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، واطلعتُ على نسخة من هذا الإعلان الجماعي المشترك من المنشور الذي وُضع في موقع البيت الأبيض في الإنترنت تحت عنوان: "منع الحرب النووية وتجنب سباقات التسلح".

 

 وهذا البيان يهدف إلى دعوة الدول النووية الكبرى المعترف بها دولياً إلى منع التسلح والسباق النووي، وتجنب قيام أية حربٍ نووية لا مصلحة لأحد فيها ولا منتصر يخرج منها، كما يهدف البيان المشترك لهذه الدول على توضيح مبدأ أن الأسلحة النووية دفاعية ووسيلة لردع أية دولة معتدية، وأنها لا َتستَخدم أية منها السلاح النووي ضد الآخر.

 

وقد جاء في نص البيان بأن الدول المعلنة عن هذا الإعلان الجماعي: "تَعتَبر بأن تجنب الحرب بين الدول التي تمتلك السلاح النووي وخفض المخاطر الاستراتيجية من مسؤولياتها الرئيسة"، كما ورد فيه: "ونحن نؤكد بأنه لا أحد ينتصر في الحرب النووية، ولذلك يجب تجنبها كلياً....ونحن نعتقد بشدة بمنع أي انتشار لمثل هذه الأسلحة". وعلاوة على هاتين الفقرتين فقد جاء في البيان بأن: "كل دولة تعتزم على الحفاظ وتقوية الإجراءات القومية لمنع الاستخدام غير المرخص له أو غير المقصود للأسلحة النووية... ونؤكد على بياناتنا السابقة حول عدم توجيه أسلحتنا النووية إلى بعضنا البعض، أو أية دولة أخرى".

 

وعند التعمق في تحليل فقرات البيان، وبخاصة تلك المتعلقة بوقف سباق التسلح، وجدتُ بأن هذا البيان في مجمله يثير للسخرية، ويستخف بعقول الناس عامة، ويستفز المختصين منهم والمتابعين والمراقبين للشأن النووي في دول العالم خاصة، وسباق التسلح بين الدول عامة.

 

فكما أن البيان يدعو الدول الخمس النووية إلى منع سباق التسلح النووي، نجد بأن هذه الدول نفسها التي وضعت ختمها على البيان، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين لم تتوقف عن تحديث وتطوير وإنتاج الأسلحة النووية بمختلف أشكالها، وأنواعها، وأحجامها، منذ الحرب العالمية الأولى، وحتى يومنا هذا، وأنا أؤكد بأن هذا السباق المحموم للهيمنة النووية، والتفوق في مجال السلاح النووي النوعي والكمي لم يتوقف أبداً، وسيظل مستمراً حتى يأخذ الله الأرض ومن عليها.

 

فعلى سبيل المثال صرح الأدميرال تشارلز ريتشارد آمر القيادة الاستراتيجية الأمريكية في 20 أبريل 2021 في جلسة استماع للجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ حول استمرار الصين في التسلح النووي، قائلاً في تقرير علني منشور بأن "الصين تعمل بسرية على مواصلة تطوير وتحديث برنامج عسكري شامل، وبناء قوة قاتلة لها قدرات في كل المجالات. وهذا التحديث يشتمل على الأسلحة النووية والقوات ....وبالرغم من أن المخزون النووي للصين حالياً أصغر من روسيا والولايات المتحدة إلا أنها تخضع لتوسعة غير مسبوقة"، كما أضاف العسكري الأمريكي قائلاً:" تسعى الصين لتطوير قدرات نووية استراتيجية بسرعة فائقة، وهذا يؤدي إلى تضاعف مخزونها النووي بحلول نهاية العقد القادم"، علماً بأن هذه التصريحات الأمريكية تتماشى مع السياسة العامة التي أعلن عنها الرئيس الصيني في الخطة الخمسية للفترة من 2021 إلى 2025، والتي تتمثل في الدعوة إلى "تقوية القوة الاستراتيجية"، و"تسريع إنشاء قوة ردع استراتيجية على مستوى عالي"، ومنها تطوير صواريخ باليستية تحمل رؤوساً نووية تفوق سرعة الصوت(hypersonic missiles). كما أن التقرير المنشور في الخامس من نوفمبر 2021 من البنتاجون تحت عنوان "تقرير قوة الجيش الصيني" أكد على المعلومات السابقة، وأفاد بأن الصين سيكون لديها 700 رأس نووي بحلول عام 2027، وما لا يقل عن ألف مع نهاية العقد. وعلاوة على ذلك فقد اعترفت الحكومة الصينية ببعض هذه المعلومات وبقيامها بالتسلح التقليدي والنووي، حسب ما ورد في التقرير السنوي من وزارة الدفاع لعام 2020 حول القدرة العسكرية، حيث أفاد بنمو المخزون النووي بخطى متواضعة، بحيث إنها لا تتعدى من الناحية العددية 400 بحلول نهاية العقد. وفي آخر تحديث للتقرير اعترفت الصين بأنها تسارع من توسعة مخزونها ليبلغ 1000 رأس نووي بحلول عام 2030، كما أن الصين حسب بعض التقارير اختبرت في يوليو وأغسطس أسلحة وصواريخ نووية جديدة متطورة وبعيدة المدى تفوق سرعة الصوت.

 

وهذا المثال الصيني ينطبق على الحالة الأمريكية والروسية، فكلتا الدولتان تعملان بسرية وخفاء في جنح الظلام، وفي بعض الأوقات أمام الملأ لاستعراض العضلات والقوة بإجراء تجارب على أسلحة حديثة وغير تقليدية أشد فتكاً، وذكاءً، ودقة من القنبلة الذرية العتيقة من الجيل الأول التي ألقيت على هوروشيما وناجازاكي عام 1945 في اليابان، بل وأنها بدأت بالغزو العسكري للفضاء وتضع الخطط لكيفية السيطرة عليه عسكرياً.

 

وجدير بالذكر فإن هذه الدول الخمس، ودول أخرى لديها المخزون الضخم من الأسلحة النووية، وتتسابق وتفتخر في جمعها وتخزينها. فبناءً على تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام(Stockholm International Peace Research Institute) حول المخزون من الأسلحة النووية في بعض دول العالم لعام 2021، جاءت روسيا في المرتبة الأولى بـ 6375 رأساً نووياً، ثم أمريكا في المرتبة الثانية بـ 5550 رأساً نووياً، ثم الصين 350، وفرنسا 290، وبريطانيا 225. وهناك تقديرات أخرى نُشرت في أكتوبر 2021 من اتحاد علماء أمريكا وقدَّمت أرقاماً متشابهة، وأضافت إلى الدول الخمس باكستان بـ 165، والهند 160، ثم الكيان الصهيوني 90، وأخيراً كوريا الشمالية 45.

 

فكل هذا الكم الهائل من الأسلحة النووية، والمخزون العظيم لم يأت بين عشية أو ضحاها، وإنما تراكمت مع الزمن، ومازالت تتراكم كل يوم دون توقف، وستستمر على هذا الحال. فكيف إذن يأتي البيان ليتحدث عن منع السباق النووي بين الدول، في حين أن السباق لم يتوقف، ولن يتوقف حسب التقارير المنشورة، واستناداً إلى ميزانيات وزارة الدفاع في هذا الدول التي تتزايد وترتفع بشكلٍ مطرد كل سنة، وتخصص بعض بنودها لتحديث ترسانة الأسلحة النووية القديمة، وبنود أخرى لتطوير وإنتاج أسلحة جديدة وحديثة تستخدم آخر التقنيات التي توصل إليها عقل الإنسان!

 

فمثل هذه البيانات الإعلامية الهدف منها تكريس احتكار السلاح النووي خاصة، ومصدر القوة عامة في حوزة هذه الدول العظمى، وهي ليست صدفة أن تكون هي نفسها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي بيدها قرار الحرب أو السلم، والسيطرة كلياً على القرار الدولي على كافة المستويات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق