الاثنين، 31 يناير 2022

أدوات غير مستدامة لمواجهة التغير المناخي

قامت حكومة ولاية ساباه(Sabah)في ماليزيا بعقد صفقة تجارية بيئية مع بعض الشركات الأجنبية في التاسع من نوفمبر 2021 تمهيداً للمشاركة في الاجتماع رقم (26) للتغير المناخي الذي عُقد في مدينة جلاسجو الأسكتلندية في بريطانيا في نوفمبر من العام المنصرم. وهذه الاتفاقية التي تُعرف باتفاقية "حماية الطبيعة" كانت موضع اهتمامي منذ ذلك الوقت، من حيث أهدافها، ونتائجها، ومن المستفيد الرئيس منها ومن مخرجاتها، إضافة إلى علاقة هذه الصفقة بمكافحة الدول والشركات الكبرى متعددة الجنسيات لتداعيات التغير المناخي وخفض انبعاث الملوثات المسببة لهذه المشكلة الدولية العقيمة، وبالتحديد بالنسبة لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، ثم الميثان وأكسيد النيتروز.

 

وهذه الصفقة تعتبر من الأدوات والآليات التي ابتدعتها الدول الصناعية المتقدمة الكبرى، وبخاصة الدول الغربية التي تقع عادة تحت سيطرة الشركات العملاقة، وتهيمن هذه الشركات المتنفذة على قراراتها وسياساتها العامة، وبالتحديد بالنسبة لهذه الصفقة على سياساتها المتعلقة بمجال مواجهة انعكاسات التغير المناخي وطرق خفض انبعاث الغازات المتهمة برفع درجة حرارة كوكبنا.

 

فهذه الاتفاقية مع الطبيعة التي وقعتها الولاية الماليزية التي تقع فيها واحدة من أكبر وأعظم الغابات والأدغال المطيرة في العالم والمعروفة بغابات بورنيو(Borneo)، تهدف باختصار وببساطة شديدة إلى السماح للشركات والمصانع المتعددة الجنسيات في الاستمرار في تلويث مصانعها ومحطاتها لتوليد الكهرباء والطاقة لبيئتنا المشتركة، والاستمرار والمواصلة في إطلاق الملوثات المسؤولة عن حدوث التغير المناخي، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون، ثم التعويض عن هذا التلوث المتعمد والرسمي بتقديم مبلغ زهيد من المال إلى الدول التي بها بيئات طبيعية خضراء، سواء أكانت بيئة الغابات، أو بيئة المستنقعات الملحية والرطبة وبيئة أشجار وغابات المانجروف في البحار، أو ما إلى ذلك من الأنظمة البيئية التي لها القدرة الذاتية الكامنة على امتصاص وتخزين ملوثات هذه الشركات من الهواء الجوي، وأَطلقُوا على هذه العملية، أو الأداة والآلية بتعويض انبعاث الكربون(Carbon offsetting).

 

وفي حالة ماليزيا فالاتفاقية تنص على أن تقوم الحكومة المحلية لأكثر من مائة عام إلى منع كل ما يضر بالنظام البيئي العام في هذه الغابات ويؤثر على حيويتها وإنتاجيتها، فتقوم ماليزيا بحماية الغابات من جميع الأنشطة التنموية المهددة للأمن البيئي لهذه الأدغال، مثل منع مشاريع قطع الغابات والبحث عن المعادن، أو مشاريع زراعة المحاصيل سواء للأكل أو إنتاج الوقود الحيوي، إضافة إلى استصلاح وإعادة تأهيل بعض المناطق المتأثرة من الغابات بالأنشطة التنموية السابقة. 

 

 وهذه الأداة الآن موجودة ومعتمدة في سوق الاتجار بالكربون بين الدول والشركات العالمية في كل دول العالم، بحيث إن أية شركة عالمية تريد أن تستمر وتواصل عملياتها وأعمالها الصناعية كالعادة، ودون إجراء أي تغيير أو تبديل في عملياتها وأعمالها الروتينية اليومية، أو أن تقوم بوضع أجهزة مكلفة لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون قبل أن يدخل إلى الهواء فيلوث البيئة، فستقوم هذه الشركات التي تريد تلويث بيئتنا بإجراءٍ قانوني وشرعي معترف به دولياً، ومبارك فيه من قبل منظمات الأمم المتحدة المختصة والمسؤولة عن حماية بيئتنا، مثل عقد صفقة مشابهة لصفقة الحكومة الماليزية. وتكون في نهاية المطاف هذه الشركات الملوثة للبيئة هي الرابحة من جميع النواحي، فهي تكون قد ضربت عدة عصافير في وقت واحد. أما أولاً فهي أمام دولهم والمجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة المعنية قد أدت واجباتها المطلوبة بصفةٍ شرعية وقانونية تجاه المتطلبات البيئية المحلية والدولية، كما هي ثانياً وفت بتعهداتها والتزاماتها المعنية بخفض انبعاث الملوثات المؤثرة على مناخ كوكبنا بجعل طرفٍ ثان يقوم بامتصاص هذه الملوثات، وقد يكون هذا الطرف في البلد نفسه أو بلاد أخرى، وثالثاً وفرَّت الكثير من المال ولم تتأثر أرباحها السنوية ومكاسبها المالية، فبدلاً من أن تضع أجهزة ومعدات غالية جداً تُرهق كاهل ميزانياتها وتقلل من أربحها السنوية وتعرقل عملياتها الإنتاجية، قامت بتحويل مبلغٍ مالي بسيط بالنسبة لهم إلى دول أخرى للقيام بدور التخلص من ملوثاتها التي أطلقتها إلى الهواء.

 

ولذلك في تقديري فمثل هذه الوسائل والأدوات الدولية تخدم في المقام الأول المصالح الاقتصادية للشركات المتطورة والعملاقة التي عادة ما تقع في الدول الغنية المتقدمة والمتنفذة على المستوى الدولي، والتي تمتلك القرار النهائي في اجتماعات منظمات الأمم المتحدة، فهي التي تدير سفينة هذه المنظمات، فتسيرها حسب أهوائها ومصالحها، سواء أكانت منظمات أمنية، كمجلس الأمن، أو اقتصادية، أو بيئية، أو حقوقية.

 

فمثل هذه الأدوات لها بعض السلبيات التي يجب التنبيه إليها، فهي في تقديري غير مستدامة، وهذه السلبيات أُلخصها في النقاط التالية:

أولاً: الأدوات والآليات بشكلٍ عام التي تضعها منظمات وهيئات ومجالس الأمم المتحدة ليست مبنية ولا تهدف إلى حماية مصالح كوكبنا والحفاظ على الثروات البيئية الطبيعية المشتركة للإنسانية، أو حماية ورعاية مصالح وصحة الشعوب الفقيرة والمستضعفة، وإنما هي تسعى أولاً إلى تحقيق مصالحها ومآربها ومصالح شركاتها ومصانعها، وضمان استمرارية الأعمال التنموية فيها دون وجود حجر عثرة يقف أمامها مهما كان هذا الشيء.

ثانياً: بالنسبة للأدوات الخاصة بمكافحة التغير المناخي، وبالتحديد المتعلقة بسوق الكربون والانبعاث، والتعويض الكربوني، فكان من الأولى والأجدى لمصير كوكبنا وحماية مواردها وخفض حرارتها أن تعمل الدول على إبداع آليات تلزم الشركات العملاقة الغربية والشرقية في الدول الصناعية الثرية على منع، أو خفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون بنسبة محددة سنوياً، بدلاً من السماح لها قانونياً وتحت إشراف الأمم المتحدة على تلويث البيئة ونقل المهمة إلى جهة أخرى لا يعلم أحد بشكلٍ دقيق مدى فاعليتها في القيام بمهمة امتصاص الملوثات والتخلص منها.

ثالثاً: مثل هذه الأدوات الأممية لا تُشجع الدول والشركات العظمى ولا تحفزهم على منع وخفض الانبعاث من المصدر، أي من المصنع نفسه، حيث يكتفون بدفعٍ مبلغ مالي رمزي ومواصلة تلويث البيئة إلى أجلٍ غير مسمى، كما أن هذه الآليات لا تشجع العالم الانتقال من المصادر غير المتجددة للطاقة وتشغيل المصانع والملوثة للبيئة إلى المصادر الأخرى النظيفة، وغير الناضبة.

رابعاً: اعتماد آلية "الحماية الطبيعية" من ملوثات البيئة تعتبر آلية غير مستدامة، فامتصاص البيئات الطبيعية للملوثات المناخية لا يستطيع مواكبة هذه الملايين من الأطنان التي تخرج إلى الهواء من شتى أنواع الملوثات التي تنبع من كل شبرٍ في كوكبنا، كما أنها ستتعرض لحالة من التشبع ربما لا تتمكن مع الوقت من امتصاص وتخزين المزيد من الملوثات التي تنبعث في كل ثانية مدى الحياة ومنذ مئات السنين. وعلاوة على ذلك فإن هذه البيئات الطبيعية المعروضة في السوق لامتصاص الملوثات في الهواء قد تنتهي مع الوقت، فكيف ستقوم هذه الشركات العملاقة بالتعويض عن إفساد بيئتنا بالملوثات التي تطلقها؟

 

وختاماً فإن هذه الآليات والأدوات وُضعت من قبل الدول الصناعية المتقدمة الغنية، فهي بالتالي تخدم هذه الدول وأذرعها الاقتصادية من مصانع وشركات عملاقة وتُقدم لها المخارج والمبررات القانونية الدولية لاستمرار عملها دون توقف، ولم توضع حماية لبيئتنا، أو رعاية لمصالح ثرواتنا البيئية الفطرية المشتركة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق