الاثنين، 1 يوليو 2013

لماذا خلع أوباما معطفه؟



عندما صعد أوباما إلى المنصة في 25يونيو لإلقاء كلمته في جامعة جورج تاون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، فإن أول عبارةٍ قالها هي:إنَّ أولَ إعلانٍ لي اليوم هو أَنَّكُمْ عليكم جميعاً خلع معاطفكم، ثم في هذه الأثناء خلع هو معطفه، وشِمَّر عن ساعديه فرفع أكمام قميصه، وبدأ بالخطاب الفعلي.

فقد ألقى أوباما الخطاب في الخارج وفي الهواء الطلق، ولحسن الحظ أن الشمس كانت ساطعة ومحرقة، والجو كان حاراً، مما سَهل على أوباما الولوج في صلب موضوع الخطاب، والدخول في أجوائه الحارة، وجذب أسماع الجالسين واهتمامهم. فالمحور الأساس في كلمته يتركز في وضع استراتيجيةٍ وخطةِ عمل لقضية التغير المناخي، أو بعبارةٍ أخرى قضية ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية على المستوى القومي الأمريكي وعلى مستوى الكرة الأرضية برمتها، فالرسالة الرئيسة التي أراد أوباما إيصالها إلى الجمهور الأمريكي باختصار وبكل بساطة هي تنبيه المواطنين إلى اشتداد الحر والارتفاع التدريجي في درجة حرارة الجو، فجاء الجو في ذلك اليوم بالذات مناسباً لموضوع كلمته، ومتوافقاً مع القضية التي يريد إقناع المواطن الأمريكي بواقعيتها حالياً ومستقبلاً، مما يسر عليه مهمته في تقديم رؤيته.

وباختصار أستطيع أن ألخص كلمة أوباما الخاصة بوضع سياسة أمريكا في مجال التغير المناخي إلى ثلاث نقاط رئيسة. فالنقطة الأولى تمثلت في توجيه أوباما لوكالة حماية البيئة، دون الرجوع إلى الكونجرس، إلى وضع مقترح للمعايير الخاصة بانبعاث الملوثات المتهمة بالتغير المناخي ورفع درجة حرارة الأرض من محطات توليد الكهرباء، وعلى رأس هذه الملوثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وهذه تُعد نقطة مهمة جداً وجريئة، حيث إن الرئيس الأمريكي تجاوز دور الكونجرس وقفز فوقه فلم يعرض الموضوع عليه، كما إنه في الوقت نفسه أدخل نفسه في صراعٍ مزمنٍ ومفتوح مع جماعات الضغط(اللوبي) التي تسيطر على متخذي القرار والمشرعين في الكونجرس، مثل لوبي مُنتجي ومسوقي ومستخدمي الفحم والنفط، واللوبي الخاص بإنتاج وتوليد الكهرباء من الفحم، كما إنه سيواجه هجوماً قوياً من الجمهوريين الذين اتهموه سابقاً بأن سياساته في مجال التغير المناخي تقتل عملية خلق الوظائف، وتدهور اقتصاد أمريكا الذي قد دخل فعلياً في حالة الكساد. وتنبع شجاعة أوباما في اتخاذ هذا القرار الشجاع في إنه قد دخل المرحلة الثانية والأخيرة من ولايته الرئاسية، ولذلك فقد تحرر من عقدة الرغبة في إعادة انتخابه رئيساً لأمريكا، أو لأي منصبٍ حكومي آخر.

أما النقطة الثانية فهي متعلقة بأمن الطاقة من جهة، وخفض انبعاث الملوثات المؤثرة على درجة حرارة الأرض من مصادر الطاقة من جهةٍ أخرى، والتركيز من أجل تحقيق هذه السياسة على تنويع مصادر الطاقة والاعتماد أكثر على مصادر الطاقة البديلة والمتجددة والخضراء، مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وطاقة المياه، إضافة إلى استخراج واستخدام مصادر الطاقة النظيفة، وبالتحديد الغاز الطبيعي والمعروف بالغاز الصخري من طبقات الشيل. كذلك أكد أوباما في كلمته على رفع فاعلية التشغيل وترشيد الاستهلاك في مجال الطاقة، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو قطاع النقل من السيارات والقطارات والطائرات، أو قطاع البناء والتشييد، أو في المباني والمنازل. 

أما النقطة الثالثة فهي رأي الحكومة الأمريكية في مشروعٍ عملاقٍ مازال قيد الدراسة، وهو مَدُ خطٍ طويلٍ جداً لأنابيب تحتوي على قطران الرمل، أو النفط غير النقي من مدينة ألبرتا بكندا مروراً بعدة ولايات أمريكية، ووصولاً إلى ولاية تكساس من أجل تصفيته وإنتاج النفط، وهذا الخط الذي يبلغ طوله 3460 كيلومتراً يُطلق عليه كي ستون (Keystone XL oil pipeline)، حيث أكد أوباما بأن رأي البيت الأبيض سيعتمد على دراسة المردودات البيئية لهذا المشروع الضخم من نواحي متعددة هي الإنشاء والبناء، ومن ناحية المردودات الاقتصادية وخلق الوظائف، وأخيراً من ناحية أمن وتنوع مصادر الطاقة لأمريكا.

وأخيراً تعهد أوباما في كلمته إلى أن أمريكا ستلعب دوراً قيادياً ومحورياً على المستوى الدولي في مجال التغير المناخي، وستعمل جاهدة على الريادة والقيادة في الوصول إلى اتفاقية دولية تُلزم الدول على خفض انبعاثاتها من الملوثات بنسبٍ محددة سنوياً، حيث قال: مازال العالم يتطلع إلى قيادة أمريكا“.

وفي تقديري فإن أوباما سيلتزم هذه المرة بوعده في مجال الإصلاحات في قضية التغير المناخي ومواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض، فليس لديه ما يخسره الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق