الثلاثاء، 9 يوليو 2013

الطبيعة مفيدة لصحتك



أتذكرُ هنا المسلسل الكويتي التاريخي المعروف دَرْبْ الزَلج والذي لاقى إقبالاً جماهيرياً لا نظير له مقارنة بالمسلسلات الأخرى، وحقق نجاحاً غير مسبوق حتى يومنا هذا، وأتذكر إحدى الحلقات الأخيرة عندما أُصيب نجم هذا المسلسل ”حسينوا“ بمرضٍ نفسي عضوي، فأشار عليه الطبيب بــ ”تغيير الجو، أي السفر خارج الكويت وإلى منطقة أخرى كوصفة علاجية لمرضه.

ولذلك نسمع دائماً أنه عندما يُصاب الإنسان بمرضٍ نفسي أو جسمي ففي الكثير من الأحيان يُقال له بأنك تحتاج إلى تغيير الجو لكي ترتاح قليلاً من معاناة وآلام المرض وانعكاساته على النفس والجسم.

وهذا الانطباع العام عند الناس عن دور السفر والسياحة في الأرض والانتقال من منطقة إلى أخرى لمواجهة الأسقام والعلل والشفاء السريع من تداعياتها وتبعاتها المصاحبة لها، له ما يُسنده من الأبحاث العلمية، وله ما يدعمه من الدراسات الميدانية الحديثة.

فقد أثبت العلم الحديث من خلال الدراسات الميدانية أن السياحة في أرجاء الأرض والسفر إلى منطقة جديدة بشكلٍ عام يجدد الحياة والحيوية عند الإنسان ويزيل عن قلبه ونفسه غبار القلق والاكتئاب، وهذه الفوائد تتضاعف في بعض المناطق والمواقع، وبخاصة في المناطق التي تتميز بطبيعة خضراء خلابة، وغابات كثيفة، وأشجارٍ باسقات تمتد إلى أعلي السماء، كذلك فإن المشي في المتنزهات والحدائق، والجبال الخضراء التي تنزل منها الشلالات المائية الصافية والعذبة، والتمتع برؤية الحياة الفطرية النباتية والحيوانية وهي تعيش في بيئاتها الفطرية الطبيعية، كلها تُنعش روح الإنسان، وتروح عن نفسه، وتزيل عنه تراكمات الدهر، وتمسح عنه هموم الأيام وتعب السنين من العمل والجهد، وتثري نفسيته فرحاً وسروراً وتفاؤلاً من مصائب الحياة، وتعطي الإنسان شعوراً غير عادي بالابتهاج والانتعاش والحيوية.

كل هذه الفوائد والايجابيات الوصفية والشعورية التي تنتاب الإنسان عند التمتع بالطبيعية والرياضة في ثنايا الأدغال والمتنزهات والبراري، قد أثبتها العلم نوعياً وكمياً من خلال إجراء دراسات معمقة حول التغيرات التي تطرأ على خلايا المخ أثناء المشي والتنزه في المواقع الطبيعية. فعلى سبيل المثال، نَشَرتْ مؤخراً المجلة البريطانية للطب الرياضي(British Journal of Sports Medicine )، مقالاً استنتجت فيه إلى أن المشي في الأجواء الطبيعية من ظلال وارفة، ونخيلٍ كثيفة، وأشجار طويلة تؤدي إلى إحداثِ تغييرات كهروكيميائية في المخ وتنجم عنها دخول الإنسان في حالة من الراحة والطمأنينة ودعة النفس، وقد تم قياس هذه التغييرات مباشرة باستخدام جهازٍ طبي يُعرف بالـ إِي إِي جِي(electroencephalography) يقوم بتسجيل النشاط الكهربائي للمخ في فترة زمنية محددة. فهذا الاستنتاج تم التوصل إليه عن طريق قياس التغيرات التي تحدث في المخ عند المشي في بيئات مختلفة منها بيئة التسوق الحضرية، ومتنزه وحديقة عامة، ومنطقة تجارية مزدحمة، فقد أكدت النتائج أن موجات المخ ونشاط المخ يبين أنه في حالة استرخاء وراحة وطمأنينة عندما يكون الإنسان في بيئة طبيعية، والعكس هو الصحيح.

كذلك هناك دراستان نُشرتا في مجلة علوم وتقانات البيئة(Environmental Science & Technology)، الأولى في 17 مايو 2010 والثانية 19 أبريل 2011 حول دور البيئات الطبيعية في تحسين الصحة الجسدية والعقلية والنفسية عند الإنسان، وكلتا الدراستان أكدتا أن المشي في الحدائق والغابات والسواحل والبيئات الفطرية الأخرى له دور مشهود وملموس في تحسين مزاج الإنسان وخفض درجة ومستوى القلق والضغط النفسي، إضافة إلى التقليل من حدة الاكتئاب والشعور بالفتور وعدم الرضا، ولذلك استنتجت هاتان الدراستان ودراسات أخرى مشابهة على أن الطِب يستطيع أن يستخدم البيئات الفطرية الطبيعية كوصفة طبية فاعلة ومؤثرة لعلاج بعض أمراض الإنسان، كما هو الانطباع السائد قديماً عند الناس.

وانطلاقاً مما سبق نجد أن الكثير من الدول بدأت تهتم بالحفاظ على بيئات طبيعية وَسَطْ غابات الإسمنت والكتل الخرسانية الصماء وأعمدة الفولاذ والحديد الخرساء التي تلف حولنا من كل مكان وتحيط بمدننا، فركزت هذه الدول على حماية البيئات الريفية والحفاظ على تراثها الطبيعي من الحياة الفطرية النباتية والحيوانية، وقد أكد على أهمية مثل هذه البيئات رئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفيد كاميرون عندما قال في  21 سبتمبر 2011 إن الريف البريطاني الجميل يُعد كنزاً وطنياً، إضافة إلى قيام الدول بتخصيص مواقع ضمن السياسة العامة لتخطيط المدن واستخدامات الأرضي للحدائق والمتنزهات وما يُطلق عليه بالحزام الأخضر.

ومن الحري بنا في البحرين من أجل المحافظة على صحة وسلامة بيئتنا وتنوعها وحماية صحة المواطنين واستدامة عطائهم وإنتاجهم أن نوفر لهم بيئات طبيعية يستأنسون بها ويتمتعون بأجوائها تغييراً للجو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق