الأربعاء، 17 يوليو 2013

الحل العسكري من أجل البيئة



في بعض الحالات لا بد من استخدام القوة والحل العسكري لمعالجة قضيةٍ محددة بِعَينها، وخاصة إذا استنفدت كل الوسائل السلمية التقليدية الأخرى التي لم تفلح في إيجاد الحلول الجذرية والمستدامة لهذه القضية.

ومن هذه القضايا المشكلة القديمة المزمنة والمستمرة والتي تتمثل في أعمال القرصنة والتهريب للحياة الفطرية بشقيها النباتي والحيواني عبر الحدود الجغرافية للدول وبيعها في الأسواق السوداء أو من خلال وسطاء محترفين يتاجرون في مثل هذه المنتجات الفطرية، وبخاصة بالنسبة للكائنات الفطرية النادرة والمهددة بالانقراض التي تدخل ضمن قوائم التراث الطبيعي الدولي.

فقد حاولتْ الدول التي تعاني من تداعيات هذا الوباء الدولي منذ سنوات إيقاف عمليات التهريب لتراثها الفطري الطبيعي عبر حدودها الجغرافية البرية والبحرية والجوية، كما حاول المجتمع الدولي أيضاً باستخدام شتى الوسائل السلمية في القضاء على هذه الظاهرة العالمية، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في القضاء عليها.

ويُعزي السبب في ذلك إلى أن عمليات التهريب وبيع الحياة الفطرية لا يقوم بها أفراد عاديون بسطاء من أجل لقمة العيش لأسرهم الفقيرة، وإنما تدخلت فيها العصابات المسلحة المحلية والإقليمية، والميليشيات المدربة والمدججة بالسلاح والعتاد، إضافة إلى عصابات المافيا المنظمة التي لها شبكات وخيوط معقدة وسرية في كل دول العالم، وتمارس أعمالها باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة والثقيلة والطائرات، فعملية التهريب أصبحت تجارة مربحة جداً ومجدية تُقدر بأكثر من 10 بلايين دولار سنوياً.

ولذلك فإن استخدام الوسائل السلمية التقليدية لم تُحقق أهدافها في منع الإتجار غير المشروع وإيقاف المهربين عن ممارسة أعمالهم، كما أن محاولات الدول منفردة لم تؤت ثمارها في علاج الظاهرة، فجاء الحل الأخير على مستويين. أما المستوى الأول فهو استنفار المجتمع الدولي برمته للتعاون مع بعض في القضاء على هذه العملية من خلال تبادل الخبرات والمعلومات عن الأفراد والعصابات والمنظمات التي تعمل في هذا المجال، والمستوى الثاني للحل فهو استخدام نفس الوسائل التي تستخدمها هذه العصابات الإجرامية من أجل مواجهة ومكافحة عملياتها على الأرض، وهو الحل العسكري واستخدام السلاح المتطور والفاعل، أي بعبارةٍ أخرى شن حرب دولية شاملة منظمة ومنسقة على التهريب والعصابات المسلحة، كما هو الحال بالنسبة للحرب على المخدرات، والإتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة، ونقل المخلفات الخطرة إلى بلدان العالم النامي.

وفي هذا الصدد تدخلتْ الولايات المتحدة الأمريكية بمخابراتها وأجهزتها السرية وجيوشها العسكرية لمساعدة الدول في حماية تراثها من الحياة الفطرية، وشل حركة وتفكيك شبكات عصابات المافيا في هذه الدول. ففي الرابع من الشهر الجاري وضع البيت الأبيض خطة لمواجهة عمليات التهريب، وشَكَّلَ فريق عملٍ وقوة خاصة لتنفيذ الخطة تتكون من ممثلين من وزارة الدفاع، والخارجية، والداخلية، كما خصص عشرة ملايين دولار لهذه العملية، حيث أعلن عن هذه الخطة الرئيس أوباما أثناء زيارته مؤخراً لقارة أفريقيا.

وعلاوة على الجهود الأمريكية، وتأكيداً على استخدام القوة العسكرية لمكافحة التهريب، فقد أعلن مجلس الأمن في الأمم المتحدة في 29 مايو 2013 أن تهريب الحياة الفطرية، وبخاصة أعضاء الفيلة يُهدد الأمن والسلم الدوليين، فالتجارة غير المشروعة في الحياة الفطرية تُديرها عصابات المافيا المنظمة والجيوش غير الرسمية، وتُستعمل فيها كافة الوسائل القاتلة والمهددة لسلامة الناس. وقد جاء هذا الإعلان استناداً إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي رفعه إلى مجلس الأمن، وقال فيه:عمليات تهريب الحياة الفطرية وعلاقتها بالمجرمين، حتى الإرهابيين، تُشكل تهديداً للأمن والسلم المستدامين في أفريقيا الوسطى، كما إن عمليات التهريب غير الشرعية تُعد مصدراً هاماً لتمويل الجماعات المسلحة، كذلك فإن المهربين يستخدمون في كل يوم أسلحة متطورة وفاعلة.
وخلاصة مما سبق نجد أن القضايا البيئية تبدأ بيئية في أول الأمر، ولكنها إن ترُكت وأهملت تتحول مع الوقت إلى قضية سياسية وأمنية، وقد يكون حلها أمنياً وعسكرياً، مما يحتم علينا الاهتمام بالمشكلات البيئية وإيجاد حلول جذرية ومستدامة لها وهي في مهدها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق