صحتنا أهم من المال

عندما سُئل أحد المدراء التنفيذيين لشركة أمريكية متعددة الجنسيات عن سبب تركه لمدينة بكين الصينية ورجوعه إلى مسقط رأسه في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، بالرغم من المال الوفير الذي يجنيه كل سنة من عمله في الصين، فقال: ”صِحَتي وصحة أسرتي أهم من جمع المال“.

ويُعزى السبب الرئيس في ترك هذا المدير التنفيذي لمدينة بكين بصفةٍ خاصة إلى تلوث الهواء الذي ضرب أطنابه بعمق في البيئة الصينية إلى درجةٍ لم تَعُد تحتمل من قبل الناس، مما أدى إلى سقوط هذا المدير التنفيذي والكثيرين مرضى يعانون من وَعْكةٍ مزمنة في الرئة والقلب نتيجة لارتفاع تركيز الملوثات في الهواء ولسنواتٍ طويلة.

وفي الحقيقة فإن هذا الرجل لا يُمثل حالة فردية بسيطة، تَركَ الصين لأسباب بيئية وصحية، وإنما هو مثال واحد فقط لحالات كثيرة، وظاهرة عامة أكدت على إنتقال رجال الأعمال والمدراء من المدن الصينية الملوثة، إما إلى مدن في الصين أقل تلوثاً للهواء الجوي، أو كلياً إلى خارج الصين والعودة إلى أرض الوطن.

وقد زادت خلال السنة الماضية وتيرة المقالات المنشورة في الغرب والشرق، والتي تؤكد على واقعية ظاهرة هروب الناس من المدن الصينية الملوثة، وآخر هذه المقالات ما نُشر في صحيفة اللوس أنجلس تايمس الأمريكية في 20 يونيو تحت عنوان: ”كلما زاد تلوث الهواء سوءاً في بكين، ارتفع عدد الأمريكيين الذين يتركون أعمالهم“، حيث يؤكد هذا المقال على رأي الكثير من المدراء التنفيذيين الأمريكيين العاملين في الصين، والذين يقولون بأن صحتهم وصحة أسرهم أهم من جمع المال.

فهذه الحالة الصينية التي نعاصرها هذه الأيام تؤيد حقيقة تَكلمتُ عنها منذ سنوات مراراً وتكراراً، وهي أن العامل البيئي المتعلق بجودة الهواء والماء والتربة، يُسهم بشكلٍ فاعل وملموس في جذب الاستثمارات الأجنبية وتشجيع رؤوس الأموال إلى الانتقال إلى بلدٍ بعينه، كما يحفز رجال الأعمال والمدراء المؤهلين إلى العمل في تلك البلدة، فالناس أصبحوا لا ينظرون فقط إلى العوامل التقليدية المعروفة عند اتخاذ القرار الاستثماري، وإنما يأخذون بعين الاعتبار الجانب المتعلق بالبيئة السليمة والصحية من حيث سلامة ونقاء الهواء الجوي، ووجود مياهٍ صالحة للشرب، وتوافر بيئةٍ بحرية ثرية وغنية ونظيفة، ووجود حدائق ومتنزهات ومحميات غناء مليئة بالحياة.

فإذا أردنا أن ننجح في البحرين في استدامة عملياتنا التنموية، وننافس دول الجوار في جذب الاستثمار، فعلينا أن نتميز عنهم ببيئة صحية ونظيفة ومتنوعة، وإلا سنخسر السباق في نهاية المطاف.