الأربعاء، 24 يوليو 2013

يسألونك عن السرطان؟



عندما نسمع عن الازدياد المطرد في أعداد المصابين بمرض السرطان على المستوى المحلي والدولي، فيَحِقُ لنا أن نطرح السؤال التالي: من أين يأتي هذا المرض، وما هي أسبابه؟

للإجابة عن هذا السؤال أنقل لكم النتائج التي تمخضت عن دراستين شاملتين منشورتين في مجلة طبية معتمدة دولياً هي مجلة لانست البريطانية(Lancet) في العدد الصادر في 10 يوليو من العام الجاري. أما الدراسة الأولى فهي تحت عنوان:تلوث الهواء والإصابة بسرطان الرئة في الدولة الأوروبية، حيث قامت بفحص وتدقيق 17 دراسة علمية أُجريت في تسع دول أوروبية على 300 ألف إنسان بهدف معرفة علاقة تلوث الهواء من السيارات ومحطات توليد الكهرباء والمصانع وخطورة التعرض لسرطان الرئة.

وتوصلت الدراسة إلى استنتاجٍ مهمٍ جداً سيُغير مفهوماً كان يتبناه علماء البيئة والطب، إضافة إلى الأجهزة الحكومية المعنية بالبيئة وهو أنه لا يوجد حدٌ آمن لتلوث الهواء“، ولا حد ”مقبول“ يمكن غض الطرف عنه، أي أنكل تركيز للملوثات في الهواء الجوي، حتى عندما يكون التركيز عند الحدود المسموح به، أو ما يُعرف بالمعايير والمواصفات البيئية الخاصة بجودة الهواء الجوي.وهذا الاستنتاج يعني أن جميع درجات ونسب تلوث الهواء، وبخاصة بالنسبة للجسيمات الدقيقة أو الدخان، تُعرض الإنسان لاحتمال الإصابة بالسرطان. كما أكدت الدراسة على وجود علاقةٍ مباشرة بين تركيز الملوثات في الهواء والإصابة بالسرطان، فكلما ارتفعت نسبة الملوثات في الهواء الجوي زادت نسبة خطورة التعرض لسرطان الرئة.كذلك خلصت الدراسة إلى أن احتمال إصابة الإنسان بسرطان الرئة يزيد بنسبة 22% في كل زيادة تركيز 5 ميكروجرامات من الدخان في المتر المكعب من الهواء، أي أن تأثير الملوثات على الإنسان يكون تصاعدياً وتراكمياً مع الوقت.

واستناداً إلى الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة وهي أن تلوث الهواء ولو بنسبٍ منخفضة جداً يعتبر من أسباب السرطان، فقد أوصى الباحثون إلى تصنيف تلوث الهواء كمسرطن، أي اعتباره مادة تسبب السرطان للإنسان، وأن تتم إضافةتلوث الهواء إلى قائمة المواد المسرطنة الأخرى التي تعتمدها منظمة الصحة العالمية.

أما الدراسة الثانية فقد سبرت غور أسباب التعرض لأمراض القلب في 12 دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تحليل وتقييم 195 دراسة حول علاقة تركيز بعض الملوثات بأعداد الداخلين إلى المستشفيات بسبب السكتة القلبية وضعف عضلات القلب وأمراض القلب الأخرى، حيث أفادت الدراسة إلى أن هناك علاقة مباشرة بين تركيز بعض الملوثات مثل أول أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين والدخان وأمراض القلب، وكلما زاد تركيز الملوثات في الهواء الجوي ارتفعت نسبة الإصابة بأمراض القلب، وقد أكدت الدراسة إلى أن كل زيادة في تركيز أول أكسيد الكربون في الهواء الجوي بنسبة واحد جزء في المليون يزيد من احتمال الإصابة بالسكتة القلبية بنسبة 3.5%، وزيادة في تركيز الدخان بنسبة 10 ميكروجرامات لكل متر مكعب من الهواء يزيد من احتمال التعرض للسكتة بنسبة 2%، وزيادة في تركيز أكاسيد النيتروجين بنسبة 10 أجزاء في البليون يزيد من السكتة بنسبة 1.7%، كذلك فإن الزيادة في تركيز أكاسيد الكبريت بنسبة 10 أجزاء في البليون يزيد من التعرض للسكتة القلبية ثم الموت بنسبة 2.36%.

ومما سبق نجد أن هاتين الدراستين تغيران الانطباع العام السائد عند العلماء ومتخذي القرار البيئي والصحي في أن التلوث بنسبٍ منخفضةٍ مقبول ولا يؤثر على الأمن البيئي والصحي وأن المعايير الأولية والمواصفات التي تتبناها الدول لجودة الهواء تقي صحة عامة الناس من الإصابة بالأمراض الحادة والمزمنة، مما يعني الآن أن على العلماء مراجعة كافة المعايير الموضوعة لنوعية الهواء الجوي لأنها أصبحت لا تحقق الهدف الرئيس من وضعها وهو حماية صحة الإنسان، فكل تركيز للملوثات يؤدي مع الزمن إلى الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب المزمنة.

فلا غرابة إذن ولا عجب أن نشاهد زيادة ملحوظة في أعداد المصابين بالسرطان، وبخاصة سرطان الرئة، فالهواء الذي نستنشقه في كل ثانية ولا نستطيع الاستغناء عنه دقائق معدودات، والذي من المفروض أن يساعدنا على الحياة، هو في حد ذاته مادة مسرطنة“وتسبب السرطان للإنسان، وتؤدي إلى الموت المبكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق