الأربعاء، 24 يوليو 2013

بلد المليون .....



عندما كُنتُ طالباً في مدينة مانشستر البريطانية في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، قُمتُ بزيارةٍ سياحية مع صديقي أثناء إجازة أعياد الميلاد إلى مدينة أمستردام الهولندية، وقد شاهدت في هذه المدينة ظاهرة غريبة ومُنفرة وقَزَّتْ نفسي من رؤيتها أمامي، وهي كثرة البراز على الطرقات، أو كثرة مخلفات الحيوانات من كلاب وقطط وغيرهما من الحيوانات المستأنسة التي تتجول مع أصحابها في الطرقات والحدائق العامة، حتى إنني كنت وصديقي دائماً ننظر إلى أسفل أقدامنا ونحن نمشي تجنباً لأن ندوس على هذه المخلفات، أو الألغام الأرضية التي تنفجر تحتنا عندما ندوس عليها، فعندئذٍ أطلقنا على هذه المدينة الهولندية بلد المليون براز.

فهذه الظاهرة التي شاهدتها ومازالت موجودة، أَعدها من المشكلات البيئية المتعلقة بالنظافة العامة والتي صنعها المجتمع الغربي لنفسه وبيديه، ويستطيع أن يقضي عليها تماماً ومن جذورها دون تعبٍ أو مشقة أو حتى أية كلفة مالية، ولكن الغريب أنه يُصر على أن تكون المشكلة موجودة ليبحث عن حلولٍ ترقيعية لا تعالجها كلياً.

واليوم يبدي مجلس مدينة بلفاست في إيرلندا، على سبيل المثال قلقه العميق من هذه المشكلة فيدعو أصحاب الكلاب والقطط إلى التوقيع على وثيقة التزامٍ وتعهد لإزالة مخلفات الحيوانات من الشوارع والحدائق والمتنزهات، وقد جاء هذا النداء بعد أن استفحلت المشكلة، وتفاقمت في الطرقات والمرافق العامة التي تحولت إلى منطقة معارك من كثرة وجود هذه الألغام التي قد تنفجر تحتك وأنت لا تعلم، فقد قالت مسؤولة الخدمات الصحية والبيئية في مجلس المدينة إن مخلفات الكلاب تُعتبر من أكثر الشكاوى التي تصل إلينا“، وأضافت قائلة بأن مجلس المدينة يصرف نحو 12.8مليون جنيه لتنظيف الشوارع والمحافظة على سلامتها من الأوساخ والقمامة ومخلفات الحيوانات.

وفي أمريكا دخلت الآن التقانات الحديثة في علاج هذه الظاهرة المتفشية من أجل التعرف على صاحب الكلب أو القطة الذي لم يُزل وينظف آثار البراز من الشارع أو الحديقة، فهناك جهاز مخابرات يقوم بهذه المهمة من خلال عمل قاعدة بيانات تحتوي على الـ دي إن أ(DNA) أو الحمض النووي لهذه الحيوانات المستأنسة وأصحاباها، فإذا وُجدت مخلفات في المناطق العامة، يتم أخذ عينة منها للتحليل، ثم معرفة صاحب الحيوان الذي ارتكب هذه الجريمة واتهامه رسمياً بعدم تنظيف المخلفات، ثم تغريمه مالياً في المحاكم المختصة بهذا الشأن.

فأنظروا إلى أي حدٍ وصلت قضية بيئية بسيطة يمكن حلها بقرارٍ واحد فقط هو منع الحيوانات في المناطق العامة ومنع إيذاء المواطنين الآخرين والتعدي على حرياتهم في الحركة والتمتع في الحدائق والمتنزهات، ولكن هذا جزءاً من تفكير الإنسان الغربي والمتغربين، الذي لا أفهمه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق