الجمعة، 14 نوفمبر 2014

الضحية الصامتة للحروب



ترددتُ في الكتابة حول هذا الموضوع والمتعلق بالأهوال والدمار والإهمال الشديد الذي تتعرض له البيئة وكافة ثرواتها ومواردها الحية وغير الحية عند وقوع الحروب والنزاعات المسلحة وأعمال الشغب والعنف، فالإنسان هو الأولى والأهم أن نتحدث عنه في مثل هذه الظروف المؤسفة، فنكتب بإسهاب عن القتل والتشريد والإصابات المزمنة التي يقاسي منها.

ولكن في المقابل هناك الكثيرين الذي يلقون الضوء على معاناة البشر والمحن المؤلمة التي تنزل عليهم في كل يومٍ تستمر فيه هذه الحروب، فوجدتُ نفسي مضطراً إلى التطرق إلى جانبٍ آخر للحروب، وضحية لا يتحدث عنها الكثير من الكتاب وهي البيئة وقضاياها المتعلقة بالنزاعات المسلحة، فالبيئة هي الضحية الصامتة للعنف والحروب وهي عادةً لا تستطيع التعبير عن نفسها، أو الكتابة عن همومها ومشكلاتها، أو رفع الصوت لإسماع البشرية عن معاناتها وآلامها وخسائرها اليومية، فكان لا بد مني أن أرفع صوت البيئة عالياً ليسمعه الجميع، وأدافع عن حقوقها نيابة عنها، فأُنبه إلى الفساد الشامل الذي يلحق بالماء، والهواء، والتربة، والشجر، والحَجَر، والكائنات الفطرية التي تعيش في مثل هذه البيئات في البر والبحر وفي أعالي السماء، وأؤكد على التدمير الممنهج والمتعمد الذي يلحق بالبنية التحتية لكافة عناصر البيئة، فالبيئة ومكوناتها الطبيعية هي أساس حياة الإنسان والضمانة الأولى لاستمرارية وجوده على سطح الأرض واستدامة أنشطته التنموية.

وقد جاءت قبل أيام، وبالتحديد في السادس من نوفمبر في يوم الأمم المتحدة العالمي لمنع استغلال البيئة في الحروب والنزاعات المسلحة، نداءات خجولة وبصوتٍ منخفض وفاتر لم يسمعه أحد، ولم يهتم بها الكثير من وسائل الإعلام في الغرب والشرق، فذهب ذلك اليوم وكأنه لم يك شيئاً، وكأن البيئة والدمار الذي يقع عليها لا أهمية لها، ولا دور لها في حياة الإنسان ورسم مستقبلٍ زاهر له وللأجيال اللاحقة. 

فكل ما قامت به الأمم المتحدة في ذلك اليوم، الذي لم يسمع عنه أحد، هو نشر إعلانٍ رسمي لا روح له ولا حيوية فيه ولا قيمة فعلية وواقعية له باسم بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، وجاء فيه:"كانت البيئة منذ زَمَن الضحية الصامتة للحرب والنزاع المسلح، من حيث تسمم التربة، وتدمير الغابات ونهب مواردها الطبيعية، وانهيار أنظمة الإدارة، فالانعكاسات البيئية للحرب تكون عادةً مدمرة وعلى نطاقٍ واسع...وفي هذا اليوم العالمي، دعونا نجدد تأكيدنا على التزامنا لحماية البيئة من تأثيرات الحروب، ونمنع نزاعات مستقبلية على الموارد الطبيعية".

فالحروب وأعمال العنف، كما هي تهلك الإنسان وتقضي على حياته، فهي في الوقت نفسه تدمر كل ما بناه الإنسان وعمَّره خلال سنوات طويلة، وهي أيضاً تفسد كل ما يعيش عليه البشر وتستقيم وتستديم حياتهم عليه، من مسطحات مائية، وهواء، وتربة، وحياة فطرية، وغابات مثمرة ومنتجة، ويكفي أن أذكركم فقط بحرق الآبار النفطية في الكويت أثناء حرب الخليج عام 1991 التي سممت الهواء الجوي على مساحاتٍ جغرافية واسعة بلغت جبال الهيمالايا، وأفسدت التربة، وكونت المئات من البحيرات النفطية التي ما زالت موجودة حتى الآن وتحكي قصة تأثير الحروب على صحة الإنسان وبيئته، كما يكفي أن أذكركم  بالصواريخ والقذائف الأمريكية التي بلغت أوزانها نحو 340 طناً من اليورانيوم المستنفد، مما أدى إلى انبعاث ملوثات مشعة قاتلة سممت التربة والمياه السطحية، ولوثت المياه الجوفية، وحولت مكونات البيئة برمتها إلى مواد مسرطنة سببت في ارتفاع أعداد المصابين بالسرطان والأمراض المزمنة وولادة أطفالٍ معوقين ومشوهين خَلْقياً.

فالحروب إذن تقتل الإنسان بشكلٍ مباشر، كما هي تقتل الإنسان بشكلٍ غير مباشر بعد فترةٍ من الزمن نتيجة للتلوث الذي يتعرض له، فلندعوا جميعاً إلى توقف هذه الحروب وأعمال العنف في كل مكان حتى نسلم وتسلم بيئتنا، ونحقق الأمن والأمان لنا ولبيئتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق