الخميس، 6 نوفمبر 2014

زيارة الوفد البحريني للصين



قام مؤخراً وفد من رجال الأعمال وتجار البحرين ومجلس التنمية الاقتصادي بزيارة شاملة للصين وهونج كونج استغرقت قرابة أسبوعين بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، وفتح مجالات جديدة للعمل والتعاون الاقتصادي المشترك، والتواصل مع الأسواق الواعدة لاستقطاب الاستثمارات.

ولكن ما يَهمني في هذه الزيارة، وأود أن أعرج عليه في هذه العجالة، ليس البعد الاقتصادي والاستثماري ولكن هو البعد البيئي المتعلق بشكلٍ خاص بالتدهور الشديد الذي أصاب نوعية الهواء في مدينة بكين العاصمة الصينية، والذي تعرض له الوفد البحريني أثناء وجوده هناك، وحسب رواية بعضهم فهم لأول مرة في حياتهم يخضعون لمثل هذه التجربة المريرة والفريدة في الوقت نفسها، حيث أحسوا جميعاً عن قرب تأثيرات فساد الهواء الجوي نتيجة لوجود الملوثات والمواد الكيميائية الخطرة فيه، وعانوا عن كثب من تداعيات وانعكاسات تدهور جودة الهواء على الصحة بشكلٍ عام، والجهاز التنفسي بشكلٍ خاص.

فعند خروجهم من باب الفندق تعرضوا مباشرة للضيف الثقيل الذي ينزل دائماً على بكين ويُطلق عليه الضباب الضوئي الكيميائي، أو السحب البنية الصفراء اللون التي تحمل في بطنها خليطاً معقداً وساماً من شتى أنواع الملوثات السامة والخطرة، وبالتحديد الدخان أو الجسيمات الدقيقة، وغاز الأوزون القاتل وملوثات مؤكسدة أخرى، وهذه السحب عادة ما تنزل إلى طبقات الجو السفلى التي يتعرض لها الإنسان بشكلٍ مباشر، فتؤدي إلى انعدام الرؤية حتى إنك لا تستطيع مشاهدة أحد على بعد أمتارٍ معدودة منك، وعلاوة على هذا فقد انكشفت على أعضاء الوفد فوراً أعراض مَرَضية خطيرة في الجهاز التنفسي، وتمثلت في آلامٍ في الصدر، والكحة الشديدة، والسعال الحاد والمستمر، واحتقان وآلام في البلاعيم، وحكة مؤلمة في الجلد والعينين.

فهذه التجربة مع تلوث الهواء تُعد مكسباً جديداً يضاف إلى خبرات الإنسان في الحياة، وبالتحديد في مجال الأضرار البيئية والصحية على الإنسان والتي تنتج من التعرض لتلوث الهواء، فنحن عادةً في البحرين لا نتعرض لهذه التجربة وعلى هذا المستوى الشديد، ولا نعاني إلى هذه الدرجة الكبيرة وبشكلٍ مباشر من تلوث الهواء، فنوعية الهواء عندنا حتى الآن لم تتدهور إلى الدرجة المزمنة التي وصلت إليها المدن الصينية، ولكن إذا تركنا العنان للملوثات للانبعاث إلى الهواء الجوي من المصانع والسيارات دون رقيبٍ أو حسيب، ودون معالجة فاعلة لهذه الملوثات قبل انطلاقها إلى الهواء، فمصيرنا حتماً لن يكون أفضل من مصير نوعية الهواء في الصين، وهناك مؤشرات تنكشف بين الحين والآخر من ناحية ارتفاع تركيز بعض الملوثات في بعض الأوقات في الهواء الجوي، وظهور متقطع للحسب البنية الصفراء في سماء البحرين، فكل هذه المظاهر تؤكد أننا سائرون على درب الصين، وسنقع يوماً ما في الزلة الخطرة التي وقعت فيها الصين الآن.

فهذا الفساد المدقع والمشهود الذي لحق بالهواء الجوي في المدن الصينية العريقة ودمر صحة الحجر والبشر، وسبب في ظهور نحو 500 قرية سرطانية يعاني منها الناس من أَلـَم المرض، وهول السقم الخبيث، وقدر الموت المحتوم،لم يقع بين عشيةٍ وضحها، ولم ينزل عليهم هذا الغضب البيئي والصحي بعد سنواتٍ بسيطةٍ من التنمية العشوائية والمتطرفة، وإنما حدث كل هذا بعد إهمالٍ متعمد لهموم وشؤون البيئة لعقودٍ طويلة من الزمن، فبدأت الملوثات الخطرة تنهش في جسمها يوماً بعد يوم، وتأكل من صحتها عضواً بعد عضو، وأخذت تتراكم في بدنها في جنح الليل حتى بلغت مرحلة خطرة وحرجة جداً لا يمكن تحمل المزيد منها أو التخلص منها، فصرخت من شدة المعاناة والألم، وانكشفت عليها آثار المرض والشيخوخة المبكرة.

وإنني سعيد جداً بأن هذا الوفد البحريني الاقتصادي تعرض لمثل هذه المِحنة البيئية، وشاهد بأم عينيه وتحسس بجسده ما تستطيع الملوثات أن تفعل به وبصحته، ولذلك أتمنى أن لا ينسوا هذه التجربة الفريدة فيضعوا دائماً نصب أعينهم البعد البيئي وحماية مكوناتها وعناصرها الحية وغير الحية، وأن يدخلوا هموم البيئة ضمن حساباتهم الاقتصادية، حتى نضمن استمرارية استثماراتنا وأنشطتنا التنموية، ونسعد بصحة مستدامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق