الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الصين تُراقب أجهزة السفارة الأمريكية


صراعٌ خفي يدور بين السلطات الصينية وبين السفارة والقنصليات الأمريكية في الصين، وبالتحديد في العاصمة بكين، فقد بدأ المشهد الأول لهذه المواجهة الساخنة في عام 2008 عندما وضعت السفارة الأمريكية فوق سطح مبنى السفارة أجهزة خاصة تهدف إلى قياس تلوث الهواء والتعرف على جودة الهواء الجوي في كل يوم، ثم نشر هذه المعلومات إلى جميع المهتمين بنوعية الهواء ومدى توافقها مع المعايير والمواصفات الخاصة بتركيز الملوثات.

 

ومنذ ذلك الوقت والصين تمسك تحفظها على وجود هذا الجهاز الأمريكي، وتلتزم بالصمت والهدوء وضبط النفس، وغض النظر عنه وعن المعلومات التي تنشرها في الصين، ثم يبدأ المشهد الثاني من الصراع، حيث ولجنا في مرحلةٍ ثانية أبدت فيها السلطات الصينية اعتراضها ولكن بشكلٍ صامت ودبلوماسي لم يُحدث أي خللٍ في العلاقات الثنائية، ولم يحدث أي ضجةٍ إعلامية. ولكن هذا الصراع دخل مرحلة المواجهة الكلامية بعد أن تبين للحكومة الصينية أن هذه القراءات المنشورة على "التويتر" والهواتف النقالة ووسائل الاتصال الجماعية الأخرى عن وضع وحال الهواء غير الصحي للإنسان تفضح الصين، وتُبين سوءتها البيئية، وتكشف عورتها أمام شعبها ودول العالم أجمع من خلال متابعة أكثر من 50 ألف صيني للنتائج التي تنشرها السفارة الأمريكية، فعند ذلك اضطرت الحكومة الصينية إلى أن تُبدي انزعاجها واستيائها وتقديمها احتجاجاً رسمياً ضد السفارة الأمريكية.

 

وجاء هذه الاحتجاج والإنذار الحكومي من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وو زياكنج(Wu Xiaoqing) نائب وزير البيئة الصيني في 5 يونيو 2012، حيث دعا السفارات الأجنبية إلى التوقف فوراً عن نشر المعلومات والتقارير الخاصة بجودة الهواء الجوي في المدن الصينية، وأكد على أن الحكومة الصينية فقط هي التي لديها الصلاحيات لمراقبة الوضع البيئي لعناصر البيئة الحية وغير هي الحية، وهي فقط المسئولة عن نشر أية معلومات عن صحة وسلامة البيئة ومكوناتها في الصين. ولكن الحكومة الأمريكية لم تقف متفرجة على هذه التهديد الصيني وجاء الرد سريعاً، ففي اليوم التالي، وبالتحديد في 6 يونيو 2012، قال المتحدث والناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية مارك تونر(Mark Toner): “إن السفارة الأمريكية في الصين لن تتوقف عن نشر المعلومات المتعلقة بجودة الهواء في المدن الصينية، وليست لديها مانع من قيام الحكومة الصينية بنشر المعلومات عن جودة الهواء في المدن الأمريكية”.

 

ثم استدل الستار على هذا المشهد وتوقفت المناوشات الكلامية بين البلدين في نهاية يونيو 2012، ولكنها خَرجتْ مرة ثانية إلى السطح أثناء انعقاد منتدى التعاون الاقتصادي الآسيوي ودول الباسيفيك أو قمة الأبيك الذي عقد في منتصف نوفمبر من العام الجاري، حيث حاولت الصين تحسين سمعتها البيئية من خلال اتخاذ إجراءات رادعة وحازمة لخفض تركيز الملوثات في الهواء الجوي ومنع أية جهة من نشر أية معلومات متعلقة بتركيز الملوثات في الهواء الجوي، حيث أمرت السلطات الصينية السفارة الأمريكية من خلال مذكرة رسمية بمسح المعلومات التي تقرأها الأجهزة عن نوعية الهواء، وعدم السماح لها بنشرها أمام الملأ، إضافة إلى منع وضعها في صفحة وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت.

 

وبالرغم من كل هذه الإجراءات إلا أن التلوث لم ينقشع أثناء زيارة الزعماء ووفود الدول، مما أحرج الصين وألزمها إلى الاعتراف رسمياً بواقعية تلوث الهواء وتدهور نوعيتها عن طريق أعلى سلطة هي الرئيس الصيني، حيث قال في كلمته أثناء حفل العشاء الذي أقيم على شرف الزعماء والوفود المشاركة:" في هذه الأيام أول شيءٍ أَقُوم به عندما استيقظ هو التأكد من جودة الهواء، وكلي أمل أن لا يكون الضباب الملوث كثيفاً حتى يرتاح ضيوفنا الكرام أثناء وجودهم هنا....كما إنني آمل أن أرى كل يوم سماءً زرقاء، وجبال خضراء، وأنهار صافية في جميع أنحاء الصين".  

 

فحري بنا نحن في البحرين أن نقف ملياً أمام هذه التجربة الصينية الثرية بالعبر والمواعظ، وأن لا نكرر الأخطاء التي وقعوا فيها واعترفوا بها رسمياً، وكلها تنصب في أن التنمية يجب أن تأخذ في الاعتبار حماية البيئة وثرواتها الحية وغير الحية، وإلا ستكون فساداً ودماراً على المدى البعيد أكثر من أن تكون بناءً وإعمارا. 

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق