تَعَودنا
أن تُـجْرى الاستفتاءات الشعبية في معظم دول العالم على قضايا جوهرية وإستراتيجية
سياسية ومصيرية، كما حدث مؤخراً في بريطانيا، حيث أُجري استفتاء عام في اسكتلندا
في 18
سبتمبر من العام الجاري حول رغبة الشعب الاسكتلندي في الانفصال والاستقلال كلياً
عن المملكة المتحدة، فتتحول إلى دولة مستقلة ذات سيادة، وكان نص السؤال في
الاستفتاء: “هل ينبغي أن تكون اسكتلندا دول مستقلة؟".
ولكنني في المقابل لم أسمع قط، أو أقرأ عن استفتاءٍ شعبي
تنظمه حكومة من حكومات دول العالم حول قضية بيئية محددة، ولا سيما أن تكون هذه
القضية تدور فحواها حول استعمال "الأكياس البلاستيكية"بدلاً من الأنواع
الأخرى من الأكياس، وبالتحديد الأكياس الورقية أو تلك المصنوعة من القطن، فلم
أتصور قط أن يكون "كيس البلاستيك" محل هذا الاهتمام والخلاف بين الشعوب،
حتى يصل إلى درجة إجراء استفتاءٍ شعبي!
فهناك الآن معركة محتدمة تدور رحاها في واحدة من أهم
وأكبر ولايات أمريكا وهي كاليفورنيا، عاصمة هوليود وعاصمة صناعة السينما في العالم
برمته. وقد بدأت المعركة تحتدم وتسخن عندما قام حاكم ولاية كاليفورنيا جيري براون(Jerry Brown) بالتوقيع ولأول مرة على قانون جديد هو
القانون رقم (270)في الأول من أكتوبر من العام الجاري. ويتلخص هذا
القانون في منع استخدام الأكياس البلاستيكية، وبالتحديد الأكياس البلاستيكية غير
المرتجعة، أي التي تستخدم مرة واحدة ثم ترمى في سلات القمامة، وقد شمل هذا التشريع
الجديد نحو 127 بلدية في ولاية كاليفورنيا، بحيث يبدأ تنفيذه في يناير 2017.
ولكن هذا القانون أثار حفيظة وغضب منتجي ومصنعي الأكياس
البلاستيكية، فتنفيذ هذا القانون، حسب رأيهم، سيؤدي إلى كساد سوق الأكياس
البلاستيكية وإلحاق الضرر الشديد به، وبالتالي إحداث خسائر مالية كبيرة للشركات
المنتجة لها، قد تؤدي إلى إغلاق البعض منها ورفع وزيادة درجة البطالة في الولاية.
فهذا الانطباع حول التأثيرات المتوقعة لقانون الأكياس
البلاستيكية، حرَّك وبسرعة شديدة لا سابقة لها التحالف التقدمي الأمريكي للأكياس(American Progressive Bag Alliance)،
والذي هو بمثابة الجمعية التي تُمثل كافة منتجي الأكياس البلاستيكية،فأعلنوا
رغبتهم في عمل استفتاء في نوفمبر عام 2016 حول الأكياس البلاستيكية، وذلك تزامناً مع
عملية الاقتراع للانتخابات العامة التي ستُجرى في الولاية، حتى يكسبوا الوقت
للتصدي لهذا القانون وإلغائه إذا أمكن، وعلى الفور شرعوا في جمع التواقيع اللازمة،
وهي نحو نصف مليون توقيع من المواطنين للحصول على الموافقة الرسمية لعمل الاستفتاء
الشعبي.
فقضية "الأكياس البلاستيكية"
ومقارنتها بالأكياس الورقية مختلف عليها حتى بين دعاة البيئة، وخاصة إذا أخذنا في
الاعتبار كيفية صناعة كل منهما والانعكاسات البيئية التي تنجم عند صناعة هذين
النوعين من الأكياس في جميع مراحلهما، بدءاً بمرحلة استخراج وإنتاج المادة الخام،
ثم مرحلة التنقية، ثم مرحلة التصنيع والإنتاج، ثم مرحلة النقل والاستعمال، وأخيراً
مرحلة إعادة الاستعمال والتخلص النهائي منها، أي كما يقال له علمياً بدراسة
المـُـنتجين، أو النوعين من الأكياس من "المهد إلى اللحد"، أو تقييم دورة الحياة
النوعين من الأكياس(Life Cycle Assessment)، وهي
دراسة تأثير المنتج من المهد إلى اللحد في جميع مراحل حياته، بدءاً باستخلاصه
وإنتاجه ونقله وتسويقه واستخدامه والتخلص منه.
فهذا المثال يؤكد لنا أن القضايا البيئية
عادةً ما تكون معقدة ومتشابكة ومتداخلة مع قضايا أخرى، كالجانب الاقتصادي
والاجتماعي، ولذلك فالقرار في هذا المجال يجب أن يكون حكيماً وتوافقياً ومتزناً،
ويجب دراسته بتأني وبأسلوبٍ علميٍ معمقٍ وشامل، بحيث يأخذ في الاعتبار كافة
التأثيرات والتداعيات التي قد تنجم عنه، ثم يحاول تجنبها ومنعها، أو في الأقل
تخفيف تأثيراتها على القطاعات التي قد تتضرر نتيجة لتنفيذ القرار أو التشريع
البيئي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق