الأربعاء، 10 يونيو 2015

لماذا يُصر أوباما على رَبْط التغير المناخ بالأمن القومي؟


إصرارٌ شديد وواضح في الأشهر الماضية من الرئيس الأمريكي أوباما على ربط قضية التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض بالجوانب الأمنية، وبالتحديد علاقتها بالأمن القومي الأمريكي، فمن المعروف أن السياسة الأمريكية بشكلٍ عام سواء عند الجمهوريين أو الديمقراطيين تَعْتَبر أن "الأمن القومي الأمريكي" خط أحمر لا يقترب منه أحد، وكل قضية تمس هذا الجانب تحتل المرتبة الأولى في الاهتمام، وتحظى بالرعاية التامة من كافة الأحزاب والجماعات والأفراد، وكل من يختلف، أو لا يوافق عليها ولا يعمل لمواجهتها يُعد خائناً للوطن وللشعب، ومتآمراً عليه، ومتمرداً على الأسس التي قامت عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ولذلك يُركز أوباما على تقديم كل الأدلة والبراهين العلمية لإقناع الشعب الأمريكي بأن للتغير المناخي علاقة مباشرة بأمنه وسلامته كمواطن أولاً، وأنه في الوقت نفسه يهز الأمن الوطني الأمريكي على المستويين الداخلي والخارجي، وبالتالي يجب على الجميع التوحد والتوجه نحو وضع السياسات العامة، وسن القوانين، وتحديد الإجراءات التي من شأنها مواجهة هذه الظاهرة ومكافحتها والتغلب عليها.

 

وفي تقديري فإن هذا يُعتبر مدخلاً جديداً، وإستراتيجية إبداعية يتبعها أوباما بعد أن سقطت الاستراتيجيات التي تبناها في السنوات الماضية واحدة تلو الأخرى لتنفيذ سياساته المتعلقة بالتغير المناخي، فالمدخل البيئي الذي اتبعه في أول عهده في الرئاسة فشل فشلاً ذريعاً في إقناع الشعب الأمريكي عامة في مكافحة ظاهرة التغير المناخي،كما لقي معارضة شرسة قوية من الحزب الجمهوري ومن جماعات الضغط المعنية بتوليد الطاقة وشركات الفحم، ثم بعد ذلك تبني مدخل أمن الطاقة ولم يُفلح أيضاً في استقطاب قادة الحزب الجمهوري والرؤساء التنفيذيين لشركات إنتاج الكهرباء والطاقة للموافقة على خططه لخفض تركيز الملوثات التي تنبعث من محطات توليد الكهرباء والمسئولة عن رفع درجة حرارة الأرض.

 

ونتيجة لهذا الفشل الفاضح، لجأ أوباما إلى فكرةٍ جهنمية، ومدخلٍ شيطاني لا يمكن الوقوف أمامه والاختلاف حوله والاعتراض عليه، فالجميع يتفق عليه ويدافع عنه، وهو أمن الشعب على المستوى الفردي، وأمن أمريكا وحمايته على المستوى القومي من أي عاملٍ، أو ظرفٍ، أو ظاهرة تؤثر عليه عن قريبٍ أو بعيد، وبشكلٍ مباشر أو غير مباشر، حتى ولو كان هذه العامل يبعد آلاف الكيلومترات عن أمريكا، كما حدث للغزو "الاستباقي" لأمريكا للعراق، عندما صرح بوش بأن صَدَّام حسين يمثل خطراً على الأمن القومي الأمريكي ولا بد من محاربته في عقر داره.

 

وقد طرح أوباما هذه العلاقة الحميمية بين التغير المناخي والأمن القومي في عدة مناسبات، آخرها في العشرين من مايو من العام الجاري في الخطاب الذي ألقاه في أكاديمية خفر السواحل في مدينة نيو لندن، فقد أكد في خطابه قائلاً: “لا توجد مناعة لأية دول من تداعيات التغير المناخي"، وأضاف قائلاً" أنا هنا لكي أقول إن التغير المناخي يشكل تهديداً خطيراً للأمن الدولي ويمثل خطراً فورياً لأمننا القومي، كذلك فإن له تأثيرات على كيفية قيام الجيش للدفاع عن وطننا.... ولذلك علينا أن نعمل، وأن نحتاج أن نعمل الآن"، وفي الوقت نفسه أكد أوباما على أن التغير المناخي يُعد من أسباب نهوض الحركات الإرهابية مثل بوكو حرام في نيجيريا، كما ساهم في نشوب واستمرار الحرب الأهلية في سوريا.

 

وهذه التصريحات الأخيرة لأوباما تهدف إلى تمهيد الطريق له لقيادة العالم في قمة التغير المناخي في باريس في ديسمبر من العام الجاري والقيام بدور البطل والمنقذ للأرض والبشرية من داء التلوث، فأوباما يريد تَرْك بصماته وأي أثرٍ له يُذكر في صفحات التاريخ المعاصر قبل أن يخرج من البيت الأبيض، فقد فشل حتى الآن في كل المحاولات السابقة، سواء في قضية التأمين الصحي للأمريكيين، أو الاتفاقية النووية مع إيران.

 

ولذلك نصيحتي أُوجهها إلى كل من لديه قضية يدافع عنها، أو موضوعاً يريد أن يرفعه إلى الجهات العليا، فكُلْ ما عليه القيام به هو ربط القضية بالبعد الأمني والجانب المتعلق بالأمن القومي، كما فعل أوباما، وسيَلقى آذاناً صاغية، وسيجد أيادي تمتد إليه لتدعمه وتسند قضيته.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق