الجمعة، 19 يونيو 2015

قَلَمي للبيع في المزاد العلني



كما أن هناك بعض الكتاب والإعلاميين الذين وضعوا أقلامهم وضمائرهم للبيع في المزاد العلني لكل من يدفع أكثر، ويُقدم لهم العروض الأفضل مادياً ومعنوياً، فباعوا هويتهم وشخصيتهم وأخلاقهم بِعَرضٍ من الدنيا قليل، فإن هناك أيضاً من العلماء والباحثين الذين وضعوا علمهم وخبرتهم وأبحاثهم طواعية تحت أمر وتصرف الشركات والمصانع والأفراد الذين يُجْزِلون لهم العطاء الوفير والمال الكثير ليقوموا نيابة عنهم وباسم "البحث العلمي" بدور ترويج أفكارهم، وسياساتهم، والمساهمة الفاعلة والمؤثرة في تسويق بضائعهم ومنتجاتهم، فتحول هؤلاء العلماء "مرتزقة"، يُطوعون نتائج أبحاثهم لتتناسب مع متطلبات هذه الشركات، ويُخْرجون استنتاجات دراساتهم لتتوافق مع مصالح كل من يدعمهم ويدفع لهم.

وقد أثبتت الوقائع أن مثل هذه الظاهرة قد وقعت مراراً وتكراراً في السابق في مجالات كثيرة، ومنها بالنسبة لمنتجات التبغ بمختلف أنواعها وأشكالها، وبخاصة السجائر. فقد خصصت شركات التبغ العملاقة الملايين من الدولارات لشراء ضمائر العلماء، وتحويل أبحاثهم ودراساتهم لتصُب في عملية التسويق غير المباشرة للتدخين، والترويج للسجائر التقليدية والجديدة كالسجائر الإلكترونية.

فقد قامت كبريات شركات السجائر بتمويل أبحاثٍ كثيرة في شتى علوم الحياة، منها علم الاجتماع، وعلم النفس، والاقتصاد، والطب. فقد نشرت دراسات اجتماعية تفيد بأن التدخين يُكسبك الكثير من الصداقات مع الناس، ويجعلك أكثر جاذبية للنساء، أو أن التدخين يُعمق من رجولتك وصلابتك ويجعلك أكثر حيوية ونشاطاً، ودراسات أخرى تفيد بأن التدخين يرفع عنك الهموم ويزيل عنك مشكلات الدنيا ويريح بالك ونفسيتك، ويخفض من درجة إصابتك بالقلق والاكتئاب. كذلك في مطلع دخول السجائر في الأسواق، خرجت علينا أبحاث "طبية وعلمية" تشكك في الأضرار التي تنجم عن التدخين وتير حولها الشبهات، وكانت كانت هذه الأبحاث المأجورة تؤكد على عدم وجود "إجماع" في المجتمع الطبي على التأثيرات السلبية التي تصاحب عملية التدخين، وأن هناك مبالغة وتضخيم في نتائج الأبحاث التي تدَّعي وقوع الضرر الصحي للمدخن.

واليوم نواجه الظاهرة نفسها ولكن مع قضية بيئية ذات أبعادٍ أمنية، وسياسية، واقتصادية، وصحية، وهي قضية العصر، والمعروفة بالتغير المناخي، أو قضية سخونة الأرض وارتفاع درجة حرارتها. فمنظمات الأمم المتحدة المعنية والكثير من العلماء يؤكدون على أن الملوثات التي تنبعث من أنشطة الإنسان، وبالتحديد عن طريق حرق الوقود الأحفوري كمشتقات البترول، والفحم، والغاز الطبيعي هي التي تسهم بشكلٍ فاعل وكبير في حدوث التغير المناخي وارتفاع درجة الحرارة، وأن على الدول جميعاً مواجهة هذا التحدي الكبير واتخاذ كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع هذه الانبعاثات من محطات توليد الكهرباء، والمصانع، ووسائل النقل المختلفة، إضافة إلى تجنب استخدام أنواع الوقود غير المتجددة وغير النظيفة كالبترول والفحم. ومثل هذه الإجراءات، لو طبقت، تُكلف شركات الفحم والبترول مبالغ مالية ضخمة وتقلل من أرباحها، ولذلك كان من الضروري على هذه الشركات اتخاذ إجراءات مضادة والوقوف في وجه المنظمات التي تعمل على سن التشريعات المؤثرة على أعمالها وأرباحها.

ومن الوسائل القديمة المتجددة التي تبنتها هي تجنيد علماء وباحثين يُشككون في دور أنشطة الإنسان في وقوع التغير المناخي، وتقديم الدعم المالي السخي لهؤلاء العلماء للتقليل من شأن مساهمة الإنسان وأعماله اليومية في رفع درجة حرارة الأرض، حتى يستمروا في حرق الفحم وجني الأرباح.

ولذلك قرأتُ في السنوات الماضية أبحاثاً تلقي بظلال الريبة والشك على مساهمة الإنسان في التغير المناخي، وفي الوقت نفسه تثير دراسات أخرى تساؤلات وشبهات عمداً تشير إلى الأخطاء التي وقع فيها علماء التغير المناخي وتفيد على أنها مزاعم واستنتاجات لا إجماع علمي عليها. وقد تنبه علماء آخرين إلى هذه اللعبة، فقاموا بإجراء تحقيقات مع البعض من هؤلاء المشككين وسؤالهم عن مصدر تمويل أبحاثهم قبل نشرها في المجلات العلمية المتخصصة. ومن أمثلة ذلك، يتم الآن التحقيق مع أحد الباحثين المعروفين بإنكارهم للتغير المناخي والذي يعمل في مركز هارفرد_سنيثونيون للفيزياء الفلكية(Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics) لعدم إعلامه عن مبلغ 1.2 مليون دولار الذي حصل عليها من شركات الفحم والبترول. كما أن مؤسسات النشر مثل الأكاديمية القومية للعلوم التي تنشر مجلة وقائع الأكاديمية القومية للعلوم، ودار النشر العلمي المعروف إلسيفير(Elsevier) صرحوا بأنهم يحققون مع الباحث نفسه حول مصادر وآلية التمويل.  

ولذلك أُحذر من هذه الظاهرة المتفشية وأحذر من مصداقية هؤلاء الكتاب والعلماء المأجورين الذين باعوا كل شيء من أجل الكسب الحرام والمال الزائل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق