الجمعة، 5 يونيو 2015

مقابر تَنْبعث منها ملوثات مُسَرطنة!



من يتصور أن المقابر التي يُدفن فيها الإنسان، والتي من المفروض أن تكون من أكثر الأماكن سكوناً ووقاراً وأمناً وسلامة، أن تكون مصدراً للملوثات والسموم، بل وللمركبات التي تُسبب السرطان للبشر الأحياء!

فمن أين تنبعث هذه السموم وما هي مصادرها في هذه المقابر؟
وهل هذه الملوثات تنطلق من جميع المقابر، أي المقابر الموجودة في بلاد المسلمين وبلاد الغرب، أم من مقابر محددة في دول العالم؟

لكي أجيب عن هذا السؤال يجب أن أقوم بدراسةِ أسلوبِ دفن الموتى في الدول المختلفة، والطرق والإجراءات التي تتخذها الشعوب في تجهيز الميت ثم دفنه.

ففي الدول الغربية هناك عدة طرق مستخدمة في عملية الدفن، ولكن العُرف السائد والذي يقوم به معظم الناس هو القيام بعملية تحنيط الميت للحفاظ على جسده أطول فترة ممكنة من الزمن، وهناك مواد كيميائية محددة تستعمل لهذا الغرض، وعادة ما تكون مادة عضوية تُعد من أبسط المركبات الكيميائية العضوية الغازية وهي الفورمالدهيد.

فالفورمالدهيد غاز عديم اللون وسريع الذوبان في الماء وله رائحة قوية ومميزة، والمحلول المائي الناجم عن ذوبانه في الماء يُطلق عليه "الفورمالين"، وله تطبيقات عملية كثيرة نستخدمه في حياتنا اليومية مثل التعقيم والتطهير، كما يستخدم في تحنيط الكائنات الحية وحماية أنسجتها من التلف والتحلل الحيوي. ولذلك في الدول الغربية وبعض الدول الشرقية يقومون بتحنيط الميت بالفورمالدهيد وإبقائه فترة من الزمن حسب الظروف والحاجة، ثم يدفن تحت الأرض.

فهذا الغاز السام والذي يُصنَّف من قبل الوكالة الدولية لأبحاث السرطان والتابعة لمنظمة الصحة العالمية كمادة "مسببة للسرطان"، يتسرب ويتطاير مع الوقت من جسد الميت، وينتقل رويداً رويداً وبشكلٍ مباشر إلى الهواء الجوي في بيئة المقبرة، فيتعرض له كل الكائنات الحية الموجودة في تلك المنطقة من إنسانٍ وحيوانٍ وطير، أو يتسرب مع تحلل جسد الميت إلى أعماق التربة، ثم مع الوقت إلى المياه الجوفية والمسطحات المائية من أنهار وبحيرات وبحار.

ولذلك برزت قضيتان رئيستان مع كثرة استخدام محلول الفورمالدهيد ووضوح الرؤية العلمية ووجود الأدلة القطعية الثابتة حول الآثار الصحية والبيئية لهذه المادة المسرطنة والمواد الأخرى المستخدمة في الحفاظ على الميت، الأولى متعلقة بالصحة العامة وتلوث مكونات وعناصر بيئة الإنسان من ماءٍ وهواءٍ وتربة بهذا السم القاتل، والقضية الثانية فهي متعلقة بالصحة المهنية من حيث تعرض واستنشاق العاملين في عملية تجهيز الميت ودفنه إلى هذا الغاز المـُهدد لصحة الإنسان وبيئته بشكلٍ يوميٍ مستمر. وهذه البراهين الموثقة حول أخطار الفورمالدهيد وتهديده للإنسان، اضطرت الجهات المعنية والعلماء المختصون بالتفكير في طرقٍ غير ضارة بصحة الإنسان والبيئة والحياة الفطرية الحية وغير الحية لتجهيز الميت ودفنه.

ومن هذا المنطلق لو تعمقنا قليلاً في التوجيهات الإسلامية وتعاليم وإرشادات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع، لوجدنا أن الإجراءات التي أمر بها الدين الإسلامي هي الأبسط والأفضل من النواحي البيئية والصحية والاقتصادية لعملية دفن الميت، ولذلك من الأولى والأجدى للمجتمع الغربي وبعض المجتمعات الشرقية إتباع المنهج الإسلامي الرشيد والمعتدل وتطبيق توجيهاته السمحة والعملية، وتجنب المشكلات الصحية والبيئية التي تنجم عن الدفن بالطرق غير الإسلامية.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق