الجمعة، 17 يوليو 2015

الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي



ذكرتْ الصحف المحلية في العاشر من الشهر الجاري أن ولي العهد وَجَّه بتشكيل فريقِ عملٍ وطنيٍ لوضع الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي من أجل الوصول إلى رؤية موحدة يشترك في تحقيقها وتنفيذها مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة. 

وهذا خبرٌ سعيد ومهم جداً في الوقت نفسه، ولكنه ربما جاء متأخراً بعض الشيء، وبخاصة أن الثروة الغذائية الرئيسة المجانية والمتجددة التي حباها الله لنا، وأنعمها علينا، وعاش عليها سنواتٍ طويلة ونهلوا من خيراتها الآباء والأجداد، قد أُهملت عقوداً من الزمن وكأنها لم تكن موجودة بيننا، بل وتم التعدي على حرماتها، وقطع أوصالها، وإفساد هويتها ونوعيتها، وشل شرايين الحياة فيها، وهذا المورد الطبيعي والخير الرباني الذي لا يخفى على أَحَدِنا هو البحر والثروة السمكية الفطرية التي تعيش فيها، والذي يعد المصدر القومي الوحيد للبروتين.

وبالرغم مما فعلتها أيدينا بهذا البحر المعطاء والثروات السمكية وغير السمكية التي تحتضنها هذه البيئة الجميلة والساحرة، وبالرغم من التدهور النوعي والكمي الشديد الذي ألَّم بهذا البحر، والذي مازال مستمراً حتى الآن، إلا أننا إذا وضعنا الخطط الحاسمة والحازمة، واتخذنا القرارات الصعبة، وبذلنا جهوداً جبارة ومضنية، فإننا نستطيع إنقاذ ما تبقى من هذا البحر، ومن الخيرات العظيمة التي تمتلئ بها.

وفي هذا الصدد فإنني أقدم الملحوظات التالية التي تصب في نهاية المطاف في حماية هذه الثروة الحقيقية التي يمكن الاعتماد عليها، وتحقيق جانبٍ مهم من جوانب الأمن القومي الغذائي. أما الأولى فإنني أتمنى تبني "المدخل الأمني" عند وضع الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، وهذا المدخل كفيل بلفت انتباه الجميع من أفرادٍ ومسئولين، فتحقيق "الأمن القومي" والاستقرار في البلد هو من الخطوط الحمراء في أية دولة ومن أساسيات قيام الدول ومن أولوياتها. فتوفير الغذاء من مصادر وطنية فطرية ومن موارد متجددة وموجودة محلياً، وحماية هذا المورد وتنميته نوعياً وكمياً وصيانته والحفاظ عليه، يجب أن تضعه الدولة من ضمن الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها وتعديها، فلا يستطيع أي بلدٍ على المدى البعيد تحقيق الأمن والاستقرار القومي، وتأمين السيادة الوطنية والاستقلالية في اتخاذ القرار إذا كان غذاؤه من الخارج، وغذاء شعبه معتمداً على ما تزوده لنا الدول الأخرى الأجنبية، فعند حصول أي خلافٍ، أو وقوع أي نزاعٍ مع هذه الدول فإنهم حتماً سيفرضون علينا مقاطعة غذائية شديدة، تُؤلمنا، وتجرح سيادتنا، وتجعلنا نرضخ لهم ونقع تحت رحمتهم وهيمنتهم فيتصدقوا علينا قليلاً لملء بطون شعوبنا، والتاريخ الغابر والمعاصر مشحون بمثل هذه الحالات، والتي يُطلقون عليها في مجملها "الحصار الاقتصادي".

أما الملحوظة الثانية فتتلخص في تحديد كافة المصادر التي تؤثر سلباً على البيئة البحرية برمتها، وبخاصة كل ما يضر بالثروة السمكية، ثم إصدار تشريعات قابلة للتنفيذ لخفض تأثير كل مصدر من هذه المصادر، وهي معروفة وأستطيع أن أقدمها بإيجازٍ شديد، وهي عمليات دفن السواحل، وعمليات الحفر لاستخراج الرمال، والمخلفات السائلة للمصانع ومحطات معالجة مياه المجاري ومحطات توليد الكهرباء والماء، إضافة إلى الصيد الجائر واستخدام وسائل غير مشروعة في الصيد تُدمر البيئة البحرية من جهة وتؤدي إلى نفادٍ عاجل لهذه الثروة من جهةٍ أخرى. 

والملحوظة الثالثة فهي إعطاء صلاحيات أوسع للجهة الإدارية المعنية بالثروة السمكية، وإعطاء أهمية أكبر لهذه الإدارة، فلو نظرنا قليلاً إلى الوراء، لوجدنا أن "إدارة الثروة السمكية" تعتبر هامشية ومنبوذة، فمع كل تشكيلة وزارية جديدة نجدها تقذف وترمى في ملعب إحدى الوزارات والهيئات، فلا استقرار إداري لها ولا قدرة لها على اتخاذ قرارات قوية وفاعلة في الميدان.

والملحوظة الرابعة فإنني أتمنى النجاح والتوفيق لفريق العمل، كما أتمنى بعد الانتهاء من وضع هذه الاستراتيجية أن لا يكون مصيرها إلى المقبرة، أو إلى الأدراج المقفلة والرفوف المغبرة كمصير باقي الاستراتيجيات مثل "الاستراتيجية الوطنية للبيئة"، والتي كُنْتُ ممن شاركوا في وضعها والسهر عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق