الاثنين، 6 يوليو 2015

لا تستهينوا بالضوضاء


لا تستهينوا أبداً بالضوضاء والأصوات المزعجة والمرتفعة التي تصدر من مصادر مختلفة نقاسي منها في حياتنا اليومية في الليل والنهار، مثل السيارات،والمـُولدات، والمحركات، والطائرات، والمصانع، فجميعها تُعد من مصادر إفساد صحة الإنسان من الناحيتين العضوية الفسيولوجية والنفسية، والوقائع والدراسات الحديثة الميدانية تؤكد صحة تحذيري هذا.

 

أما بالنسبة للوقائع اليومية المشهودة التي قرأتُ عنها في وسائل الإعلام، فأُقدم لكم آخر مثال وقعت أحداثه في اليابان في يونيو من العام الجاري، وبالتحديد بالقرب من قاعدة فيتوناما الجوية العسكرية الأمريكية(Futenma air base) في جزيرة أوكيناوا(Okinawa). فالمواطنون على هذه الجزيرة والذين يسكنون بالقرب من هذه القاعدة ظهرت عليهم مع الزمن أعراض مرضية نفسية وعضوية بسبب حركة الطيران الكثيفة والمستمرة ليلاً ونهاراً وفي كل الأوقات، وقد تمثلت هذه الأعراض في عدم القدرة على النوم، وانكشاف اضطرابات عقلية ونفسية وزيادة في حالات التوتر والقلق، والتأثير المباشر على حياتهم اليومية.

 

ونظراً لاستمرارية شدة معاناة هؤلاء الناس صغاراً وكباراً طوال السنوات الماضية، وعدم قدرتهم على تحمل الأصوات المرتفعة والضوضاء العالية التي تنبعث من الحركة المتزايدة للطائرات ووسائل النقل الأخرى في هذه القاعدة العسكرية، فقد اضطروا إلى اللجوء إلى القضاء لتخليصهم من هذه المعاناة الشديدة التي يتعرضون لها منذ سنواتٍ طويلة، فرفعوا دعوى رسمية ضد القاعدة الأمريكية العسكرية.

 

ونظراً لمصداقية معاناتهم في كل دقيقة من اليوم والليل من هذه الأصوات والضوضاء العالية التي هددت صحتهم وصحة أبنائهم، فقد كسبوا القضية، حيث اتفق معهم القاضي المعني بالقضية، وقال قبل النطق بالحكم: "الأضرار التي يعاني منها الناس من الضوضاء خطرة وأثرت على نطاق واسع وعلى شريحة كبيرة من الناس"، وحَكَم بغرامةٍ مالية كبيرة تُدفع للمتضررين، وهي 754 ين ياباني، أو قرابة 6.17 مليون دولار أمريكي. 

 

وفي المقابل هناك دراسات وأبحاث كثيرة تؤكد على الأضرار الصحية العضوية والنفسية الخطرة التي تنزل على الإنسان عند تعرضه بشكلٍ مستمر لمستوى مرتفع من الضوضاء، ومن أحدثها الدراسة التي نُشرت في مجلة القلب الأوروبية(European Heart Journal) في 23 يونيو من العام الجاري تحت عنوان: "الضوضاء من السيارات في لندن يزيد من أمراض القلب والموت".

 

هذه الدراسة تُعد من أكثر الدراسات شمولية وواقعية حيث غطت عينة واسعة وشريحة كبيرة من السكان في العاصمة البريطانية لندن بلغت 8.6 مليون، وقامت بمتابعة ومراقبة حالتهم الصحية خلال الفترة من 2003 إلى 2010. وفي الوقت نفسه قام الباحثون بقياس مستوى الضوضاء في مناطق سكن هؤلاء الناس بسبب حركة السيارات أثناء النهار والليل، ثم قارنوا تعرض السكان للضوضاء مع أعداد السكان الداخلين للمستشفيات، إضافة إلى أعداد الموتى في هذه المناطق بسبب أمراض الأوعية الدموية للقلب.


 


وقد أكدت نتائج الدراسة أن هناك ارتفاعاً في أعداد الموتى بنسبة 5% للساكنين بالقرب من الشوارع المزدحمة والمكتظة بالسيارات مقارنة بالساكنين بعيداً عن ضوضاء وإزعاج السيارات، وكانت أسباب الموت تُعزى إلى التعرض للسكتة القلبية نتيجة لارتفاع ضغط الدم، ومشكلات واضطرابات في النوم، والقلق النفسي الناجم عن هذه الأصوات المرتفعة المستمرة طوال ساعات اليوم والليلة.


 


ومن المعروف علمياً وطبياً الآن أن التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأعراض مرضية متعددة تعتمد على عاملين رئيسين. الأول هو شدة وقوة الأصوات التي يتعرض لها الإنسان، والثاني هو الفترة الزمنية التي يتعرض لها والوقت الذي يتعرض له من حيث الليل أو النهار، ولكن بشكلٍ عام فالأعراض المرضية تتمثل في زيادة دقات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وتأثيرات سلبية على الجهاز العصبي، وارتفاعٍ في حالة التوتر والقلق، وفقدان السمع، والموت في الحالات المزمنة.

 

ولذلك إذا كُنتَ ممن يسكنون بالقرب من مصادر الإزعاج والضوضاء، فعليك أن تُجنب نفسك وأهلك التعرض لها حتى لا تسقط فريسة سهلة لأمراض الضوضاء القاتلة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق