الأربعاء، 1 يوليو 2015

عُقْدة الولايات المتحدة الأمريكية الأزلية


بالرغم من وصول الولايات المتحدة الأمريكية قبل عقود إلى سطح القمر، ثم إلى المريخ وما هو أبعد منه في هذا الفضاء الفسيح والواسع، وبالرغم من هذا التطور التقني والفني المشهود في أمريكا، إلا أنها مازالت تحبوا حبو الأطفال في مجال المعالجة المستدامة للمخلفات النووية المشعة ومخلفات الدمار الشامل التي نجمت عن صناعاتها النووية السلمية والعسكرية، ومازال علماء وعقول أمريكا يقفون حائرين وعاجزين أمام هذه المعضلة المزمنة التي تهدد حياة المواطن الأمريكي، بل وتهدد أمن وسلامة الكرة الأرضية برمتها، فمازال العِلم والبحث العلمي بشكلٍ عام يقف عاجزاً مكتوف اليدين أمام هذا الحلم المزعج والكابوس المرعب الذي يجثم فوق صدر الإنسان منذ أكثر من 85 عاماً، أي منذ ولوج الإنسان في العصر النووي. 

 

فأمريكا، والدول النووية الأخرى، تتخبط في قضية التعامل مع قنابل المخلفات الذرية المشعة، فتارة تتجه يميناً فتتعثر وتقف، وتارة أخرى تتجه شمالاً فتصطدم بالجدار المنيع فتنشل حركتها، ثم ترجع مرة ثانية إلى الدائرة الأولى والنقطة الأولى التي بدأت منها، وكأنها لم تفعل شيئاً، ولم تتقدم أية خطوة إلى الأمام.

 

وفي تقديري فإن التحدي الكبير الذي تواجهه الدول النووية مع مخلفات الدمار الشامل النووية المشعة يكمن في قضيتين. الأولى هي كيفية المحافظة الآمنة والسليمة بشكلٍ مؤقت وعلى المدى القريب للمخلفات المشعة المتمثلة في قضبان وأعمدة الوقود النووي المشع والمستهلك الذي كان يستخدم لتوليد الكهرباء، والذخائر والأسلحة النووية القديمة المشعة والأجهزة والمعدات التي خرجت من دائرة الاستعمال وتحولت إلى مخلفات يجب التعامل معها. فهذه المخلفات كأعمدة الوقود المستنفد تُخزن وتكدس الآن تحت الماء في برك مخصصة لهذا الغرض في مواقع محطات توليد الكهرباء النووية، أو بعضها مخزن تحت الأرض بطرقٍ غير سليمة، فبدأت تتحلل وتتسرب منها الإشعاعات مع الزمن، كما حدث في روسيا في 29 سبتمبر 1957، وفي أمريكا في 12 أكتوبر 2012، و 14 فبراير من العام الجاري، وهذه التسربات تلوث الهواء الجوي فتؤثر على صحة البشر من جهة، كما إنها تلوث التربة فتفسد نوعية المياه الجوفية التي يعتمد عليها الإنسان من جهةٍ أخرى.

 

أما عشرات الآلاف من الأسلحة والذخائر النووية المستهلكة والقديمة المتزايدة فهي في الوقت نفسه تُشكل أزمة صحية وبيئية واقتصادية حقيقية وتمثل تهديداً للمواطنين الأمريكيين، حيث بلغت كلفة الحفاظ عليها وتخزينها بطريقة مؤقتة زهاء 7 بلايين في الستينيات من القرن المنصرم، وقرابة 8.3 بليون دولار عام 2014، وهذا المبلغ في ارتفاعٍ مستمر بشكلٍ سنوي.

 

أما الثانية فهي قضية أزلية ربما لن تُحل في القريب العاجل، وهي كيفية التخلص النهائي والدائم من ملايين الأطنان من المخلفات المشعة الصلبة وشبه الصلبة والسائلة الناجمة عن العمليات النووية السلمية والعسكرية والمخزنة والمكدسة حالياً إما فوق الأرض بالقرب من المناطق الحضرية السكنية، أو في قبورٍ عميقةٍ تحت الأرض. وهنا سأضرب لكم أمريكا كمثالٍ واحد فقط لتعرفوا حجم المعاناة ودرجة التخبط والعشوائية في علاج هذه المشكلة الخالدة. فبعد سن قانون "سياسة المخلفات النووية" لعام 1982، اضطرت وزارة الطاقة إلى البحث بجدية في قضية المخلفات المشعة، حيث تم اختيار جبال يوكا(Yucca Mountain) في ولاية نيفادا بالقرب من مدينة لاس فيجس في عام 1987، وذلك بعد سنوات من الدراسات الميدانية التي أرهقت كاهل الميزانية الأمريكية، ولكن هذا المشروع لم ير النور طويلاً فقد تم تجميده مع اختيار أوباما رئيساً، والآن مع قرب خروج أوباما من البيت الأبيض، رَجَعت أمريكا إلى جبال يوكا مرة ثانية للتفكير فيها كموقع آمن للتخزين طويل الأجل لهذه المخلفات، أي أن أمريكا ومنذ أن بدأت في تبني الطاقة النووية قبل أكثر من ثمانية عقود، مازالت تُراوح في مكانها في قضية المخلفات المشعة، أو قنابل التدمير الشامل الموقوتة!

 

فإذا كان هذا هو حال أكثر دول العالم تطوراً وعلماً وخبرة، فماذا سيكون حالنا إذا طرقنا باب الطاقة النووية دون رؤية شاملة وواضحة للمخلفات الخطرة والمشعة التي حتماً ستنتج عنها؟

   

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق