الجمعة، 31 يوليو 2015

الكذب والجشع من ثقافة الشركات الكبرى(1)



فضيحةٌ تاريخية نُشرت في 21 يوليو من العام الجاري في وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وانتشر خبر هذه الفضيحة المالية في جميع أرجاء المعمورة كانتشار النار في الهشيم، ويتلخص هذا الخبر في استقالة الرئيس التنفيذي لشركة توشيبا اليابانية العملاقة بسبب ممارسة سياسة "الكذب" لسنواتٍ طويلة من حيث المبالغة في أرباح الشركة بنحو 1.22 مليار دولار أمريكي، وهذا التلاعب المالي في الحسابات لم يكن عملاً فردياً يقوم به الرئيس التنفيذي للشركة، وإنما كان "ثقافة" سائدة، وسياسة عامة تنتهجها الشركة ويعلم عنها أعضاء مجلس الإدارة وكبار التنفيذيين.

فهذه الفضيحة التي نراها أمامنا اليوم لا تعتبر حادثة منفردة أو معزولة قام بها رئيس تنفيذي محتال وفاسد، وإنما هي ظاهرة عالمية نجدها في معظم الشركات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات حول العالم، فهي جزء من "ثقافة" هذه الشركات ودَيْدَنهم والتي تهدف أساساً إلى تحقيق الربح السريع وجني المال الكثير على حساب المبادئ والأخلاقيات والقيم البشرية المعروفة، ولذلك من أجل الوصول إلى هذا الهدف وهذه الغاية فلا ضير من إتباع أية وسيلة وتبني أي طريق، مهما كان نوعه وحجمه ومشروعيته، فإذا كان "الكذب" والاحتيال يؤدي إلى تحقيق الربح فلا بأس من ذلك، وإذا كان تدمير مكونات البيئة وثرواتها الطبيعية يرفع من نسبة الفوائد ويُعِجل من جني الأموال فلا ضير من ذلك، وإذا كان إخفاء الحقائق والمعلومات عمداً عن عامة الناس وعن المستثمرين خاصة يزيد من سقف المبيعات وشراء الأسهم فلا مشكلة في ذلك.

وفي المقابل فكل ما قد يؤثر على أرباح هذه الشركات، أو يخفض من عائداتها المالية، فسيلقى حرباً ضروساً طاحنة، وسيواجه بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة التي في متناول أيديها. فقضية التغير المناخي، أو ارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب الملوثات التي تُطلقها هذه الشركات، أَجْمعت على واقعيتها وحدوثها كل دول العالم بدون استثناء وأكدت منظمات الأمم المتحدة المعنية بتداعياتها على البيئة والصحة والأمن الإقليمي والدولي، وهناك اتفاقية إطارية للتغير المناخي وَقَعت عليها كل دول العالم وتهدف إلى الحد من انبعاثات هذه الشركات وخفض نسبة الملوثات التي تنطلق منها، أي أن هذه الاتفاقية تدعو كل العالم وشركاتها ومصانعها إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة الكفيلة بخفض انبعاث الغازات المتهمة برفع درجة حرارة الأرض وإحداث التغير المناخي للكرة الأرضية.

ومن أجل القيام بخفض الانبعاث فإن على هذه الشركات تغيير عملياتها اليومية، ووضع الأجهزة والمعدات الخاصة بمعالجة هذه الملوثات، إضافة إلى استعمال أنواع الوقود النظيف الذي لا تنطلق منه الملوثات الضارة بالكرة الأرضية، وهذه الإجراءات تُعتبر مكلفة جداً وتنعكس سلباً من الناحية المالية على هذه الشركات وتقلل من أرباحها السنوية. ولذلك فإن هذه الشركات تقاوم بعنف تبني هذه التغييرات بشتى الوسائل والسبل الشرعية وغير الشرعية، الأخلاقية وغير الأخلاقية، وسأذكر البعض من هذه الأدوات والوسائل التي تستخدمها الشركات.

أولاً: تحاول هذه الشركات العظمى، وبخاصة شركات النفط والفحم ومصانع توليد الكهرباء، التشكيك في الحقائق العلمية المتعلقة بالتغير المناخي، وتسعى منذ سنوات إلى إثارة الشبهات والمغالطات حول الأبحاث المناخية والبيئية التي تؤكد واقعية ارتفاع درجة حرارة الأرض، أي أنها تتبع سياسة "التضليل العلمي للحقائق"، ومن أجل تحقيق هذا الهدف قامت بتجنيد "علماء مرتزقة" في كافة أنحاء العالم، سواء على المستوى الفردي، أو على مستوى مراكز أبحاث ومنظمات علمية تعمل في مجال المناخ والبيئة، وقامت بتخصيص الملايين من الدولارات للصرف عليها.

فعلى سبيل المثال، أكدت الوثائق التي نشرتها بعض الصحف الأمريكية والبريطانية مؤخراً بأن أحد الباحثين المعروفين من مركز هارفرد_سميثسونين(Harvard-Smithsonian Center) وهو ولي سون(Willie Soon) قد تلقى دعماً مالياً بلغ 1.25 مليون دولار أمريكي من شركات ومصانع ومؤسسات للطاقة مثل إكسون موبايل(ExxonMobil)، وهذا الباحث يُعد من أشد "العلماء" إنكاراً وتشكيكاً في حدوث التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب أنشطة الإنسان وانبعاثات المصانع، وبالتحديد غاز ثاني أكسيد الكربون.

وجدير بالذكر أن صحيفة الجارديان البريطانية نشرت مقالاً في التاسع من يوليو من العام الجاري وأكدت فيه أن شركة إكسون موبايل الأمريكية الدولية التي تعمل في مجال النفط والغاز وتعتبر من أكبر شركات العالم، كانت أول من علمت ومنذ عام 1981 عن علاقة مصانعها وأنشطتها اليومية والملوثات التي تنبعث عنها بحدوث التغير المناخي، وكانت على علمٍ كامل بتأثيراتها السلبية على كوكبنا قبل أن يُدرك باقي العلماء هذه الحقيقة، وبالرغم من معرفتها وعلمها الدقيق التزمت الصمت وتَعَمَّدت في إخفاء المعلومات والدراسات التي قام بها الباحثون في الشركة، بل والأدهى من هذا والأمر أنها كانت تمول الأبحاث التي تقلل من دور الإنسان والمصانع النفطية خاصة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، كما دأبت هذه الشركات البترولية على دعم الدراسات التي تخفض من شأن تداعيات التغير المناخي، أو التي تُثير الشكوك والمعلومات المضللة عنه، وكانت ومنذ أكثر من28 عاماً تجزل العطاء وتقدم المال الوفير للمنكرين والمشككين في هذه الظاهرة أينما كانوا.

ولذلك نجد أن إحدى الوسائل التي تنتهجها هذه الشركات العملاقة هي استغلال العلم والعلماء من أجل تحقيق أهدافهم المتعلقة بالربح السريع والكبير، ولا مانع من الكذب وتضليل الرأي العام وتزييف الحقائق باسم العلم والبحث العلمي، وفي المقابل هناك وسائل وأدوات أخرى تتبعها هذه الشركات، وسنتحدث عنها لاحقاً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق