المعضلة المستمرة، والتحدي الكبير الذي
أُواجهه عند الحديث عن هموم البيئة وشؤونها هو كيف أستطيع إقناع عموم الناس في
المساهمة في حماية موارد وثروات البيئة من ماء وهواء وتربة، وكيف أنجح في جذب
عنايتهم ورعايتهم في العمل على التشجير وتنمية الغطاء النباتي كوسيلة من وسائل
تنقية الهواء وتحسين نوعيته؟
فالمواطن مهما كانت ثقافته، ومهما بلغ
من العلم، ومهما كان وضعه المالي، فإن الحافز والدافع الرئيس الذي يجعله يتحرك
لحماية البيئة والقيام بممارسات يومية تحافظ على ثرواتها وتعمل على صيانتها نوعياً
وكمياً هو الجانب الاقتصادي.
فالبعد الاقتصادي دائماً يشجع الإنسان
على تغيير سلوكياته وطبائعه، والجانب المالي النقدي المحسوس كفيل بنجاح الدفاع عن
أية قضيةٍ وحَمْل الناس على الالتزام بها.
ولذلك فإنني أُحاول أن أربط دعوتي
للناس لحماية مكونات بيئاتهم بالعائدات المالية التي يجنونها ويحصلون عليها من
وراء ذلك، أي بتأثيراتها على جيوبهم سلباً أو إيجاباً.
وهنا أضرب لكم مثالاً واحداً يؤكد المردودات
المالية الايجابية التي تعود على الفرد والمجتمع من سلوكٍ بيئيٍ واحد فقط هو
التشجير وزيادة الرقعة الخضراء، وفوائد السكن بالقرب منها.
فقد أشارت دراسة منشورة في مجلة
"الطبيعة" المشهود لها علمياً في السابع من يوليو من العام الجاري بأن
السكن بالقرب من الأشجار يفيدك صحياً ويقوي من مناعتك ضد الأمراض الجسمية
الفسيولوجية، مثل أمراض القلب المختلفة، والجهاز التنفسي، والسكري، والبدانة،
إضافة إلى تعزيز الصحة النفسية والراحة الكبيرة التي يشعر بها الفرد عند وجوده
أمامها وتحت ظلها، وهذا المردود الصحي النفسي والعضوي تم تقديره نقدياً بنحو عشرين
ألف دولار أمريكي، أو ما يعادل قرابة 7500 دينار، أي أنك ستوفر هذا
المبلغ سنوياً وتضعه في حسابك الاستثماري الخاص بك. فهذه الدراسة أُجريت في مدينة
تورونتو الكندية وربطت بين أعداد وكثافة الأشجار الموجودة في الشوارع والأمراض
التي يتعرض لها الناس الذين يسكنون بالقرب من هذه الأشجار وكلفة العلاج عند
الإصابة بهذه الأمراض.
فمن المعروف الآن أن الأشجار تعمل كرئة
الإنسان، فهي تمتص ملوثات الهواء الجوي وتخفض من تركيزها، فتؤدي إلى تحسنٍ كبير في
جودة الهواء التي يستنشقها الفرد، وكل هذه الفوائد البيئية الصحية تنعكس مالياً
على الفرد والمجتمع، حيث أكدت دراسة نشرت عام 2014 في الولايات المتحدة
الأمريكية أن الأشجار تخفض من كلفة علاج الأمراض والوقاية منها، فهي توفر نحو 6.8 بليون
دولار أمريكي من ميزانية الصحة العامة.
ولذلك بعد أن تأكدنا من المردودات
المالية النقدية التي نجنيها مباشرة من التشجير، علينا جميعاً أن نتسابق ونتنافس
على حماية الأشجار وصيانتها في كل مكان، ونعمل سوياً على زيادة رقعتها ومساحتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق