الثلاثاء، 11 أغسطس 2015

كيف يؤثر التشجير على صحتِك؟


أثبتُ لكم مؤخراً في مقالٍ سابق العائدات والمردودات الاقتصادية التي يكسبها الإنسان من الاستثمار في الطبيعية من خلال التشجير والاهتمام بإنشاء الحدائق على مستوى المنزل، وفي الشوارع، وفي المتنزهات العامة، وأكدتُ لكم أن المبلغ الذي يجنيه الإنسان من خلال هذه الأعمال والممارسات تقدر بنحو عشرين ألف دولار أمريكي، أو ما يعادل قرابة 7500 دينار، أي أن الإنسان يوفر هذا المبلغ سنوياً ويضعه في حسابه الاستثماري الخاص به، ولكن السؤال الذي حيَّر العلماء منذ سنواتٍ طويلة وجعلهم يلِجُون في مجالٍ بحثيٍ جديد هو آلية انعكاس التشجير بشكلٍ عام، والسكن بالقرب من الحدائق وممارسة الرياضة وسط الأشجار وفي المتنزهات بشكلٍ خاص على صحة الإنسان العقلية والنفسية والعضوية. 

 

فهناك كمٌ كبير من الدراسات يؤكد أن السكن في المدن الحضرية المزدحمة بالسيارات والمشحونة بالملوثات والدخان الأسود والأصوات المزعجة والضوضاء العالية، والكثيفة بالخرسانة المسلحة العمياء، والمكتظة بالأعمدة الإسمنتية الصماء، والمليئة بالعمارات الطويلة التي تمنع في بعض الأحيان وصول ضوء الشمس، يؤدي إلى قسوة القلب وصلابته، وتنجم عنه أمراض النفس والعقل وارتفاع نسبة القلق والاكتئاب والإصابة بالأمراض العضوية الجسدية، فالدراسات أثبتت بشكلٍ عام أن هناك علاقة مباشرة بين ازدياد درجة التحضر في الدول وارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض العقلية.

 

وفي المقابل فإن هناك إجماعاً علمياً عند الباحثين على أن الإنسان عندما يعيش في المناطق الريفية الهادئة البعيدة عن ضوضاء وملوثات المدن، أو عندما يزور الحدائق ويجلس تحت ظل شجرة أو يمشي في رحابها، فإنه يشعر بالراحة النفسية والسكينة والطمأنينة، ويتحسن مزاجه، ويكون أكثر سعادة، وأشد احساساً بالأمن وبعداً عن الأمراض والأسقام العصرية.

 

فكيف إذن يؤدي التشجير والمشي في المتنزهات إلى الراحة النفسية والبدنية والعقلية؟

 

وللإجابة عن هذا اللغز، قام باحثون من جامعة ستانفورد الأمريكية العريقة بدراسةِ التغيرات التي تطرأ على المخ، وبالتحديد الجزء من المخ المختص بالأمراض العقلية كالقلق والاكتئاب، وفي حالتين مختلفتين، الأولى عندما يمشي الإنسان في بيئةٍ حضرية صاخبة ومزعجة وخالية من الأشجار، والثانية عندما يسير في بيئة خضراء جميلة مكتظة بالأشجار الباسقة والطيور الغناء، وتأكدوا أن هناك تغيرات تحدث في المخ تتمثل في زيادة النشاط العصبي وارتفاع تدفق الدم في الجزء من المخ المرتبط بالعلل العقلية وذلك للأفراد الذين يمشون في الشوارع الحضرية المزعجة، في حين لم يكن هناك ازدياد في جريان الدم إلى المخ عند الأفراد الذين يمشون في الحدائق والشوارع الكثيفة بالأشجار، فارتفاع حركة وتدفق الدم إلى أي جزءٍ من المخ، أو أي عضوٍ من جسم الإنسان يعني وجود حالة طارئة غير عادية أو وضع غير طبيعي في تلك المنطقة، مما ينجم عنه اضطرابات وأمراض عقلية ونفسية، وقد تم نشر نتائج هذه الدراسة في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأمريكية في 22 يوليو من العام الجاري.

 

فإذا أردتَ أن تكون دائماً مُطمئن النفس ومرتاح البال وحسن المزاج، وتُبْعد عنك الأسقام، فعليك بالتشجير والعيش بالقرب من الحدائق والمناطق المكتظة بالأشجار بدلاً من المناطق المزدحمة بالسيارات.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق