الأحد، 23 أغسطس 2015

الإعلان الإسلامي حول التغير المناخي


أستطيع أن أُجزم، وبكل ثقةٍ واطمئنان أن التغير المناخي هي قضية العصر، فهي الشغل الشاغل للقادة السياسيين على مستوى رؤساء الدول والعلماء إلى حدٍ سواء منذ قمة الأرض في البرازيل عام 1992 والتي تمخضت عنها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي، فقد أخذت قضية التغير المناخي منذ ذلك الوقت أبعاداً كثيرة ومتعددة تمثلت في البعد الأمني، والسياسي، والبيئي، والاقتصادي، والاجتماعي، حتى أن علماء الأديان من الدين المسيحي والإسلامي وغيرهم أفتوا في هذه القضية، وأدلوا بدلوهم.

 

فقد دخل مؤخراً بابا الفاتيكان على خط التغير المناخي، وأصدر وثيقة كاملة أو رسالة بابوية في 18 يوليو من العام الجاري وتتكون من 192 صفحة، وتؤكد هذه الرسالة على أن التغير المناخي قضية أخلاقية ولا بد من مواجهتها وإيجاد الحلول اللازمة للتصدي لها على المستوى الدولي، وأشار بأن الفقراء هم الأشد تضرراً من تداعيات وانعكاسات التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

واليوم اختتم المنتدى الدولي الإسلامي للتغير المناخي والذي عُقد في اسطنبول في الفترة من 17 إلى 18 أغسطس من العام الجاري أعماله، وتمخض عنه "الإعلان الإسلامي حول التغير المناخي"، حيث شارك فيه قادة سياسيون وعلماء من تخصصات مختلفة يمثلون عشرين دولة إسلامية.

 

وقد جاء الإعلان الإسلامي متكوناً من تسع صفحات بدءاً بمقدمة عامة، ثم مؤكداً على بعض المبادئ الأساسية من رؤية إسلامية، وأخيراً دعا الإعلان إلى التقيد والالتزام بست نقاط جوهرية والعمل الجماعي المشترك لمواجهة هذه الظاهرة المناخية الدولية والتصدي للتهديدات الناجمة عنها، كما دعا الإعلان الدول الإسلامية إلى تبني سياسة النمو المعتدلة والحكيمة التي تأخذ في الاعتبار متطلبات هذا الجيل دون الإضرار باحتياجات الأجيال اللاحقة وتوريثهم موارد وثروات سليمة وصحية من الناحيتين النوعية والكمية.

 

وفي الحقيقة فإن هذا الإعلان ليس بالغريب، أو الدخيل على الدين الإسلامي الحنيف، فقد أكد الإسلام من خلال الآيات القرآنية وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم على حماية الموارد الأرضية الحية وغير الحية، ووضع منذ نحو 15 قرناً أسس ودعائم الحفاظ عليها ورعايتها وصيانتها.

 

وتتمثل هذه المبادئ في عدة توجيهات وقواعد رئيسة، منها أولاً أن الإسلام حدد دور ووظيفة الإنسان في الأرض وهي عبادة الله وحده لا شريك، وجعله خليفته في الأرض، وحدد شروطاً لهذه الخلافة، فهو مدير الأرض لا مالكها، ويشترك مع غيره من سكان الأرض في الموارد والثروات البيئية العامة التي هي ملك كل فردٍ يعيش على سطح الأرض من إنسانٍ وحيوانٍ وطير، فعليه أن يُعمر الأرض وينميها ويصلحها لما في خير الشركاء الآخرين في هذا الجيل والأجيال اللاحقة من بعده، فيبني دون أن يدمر، ويعمر دون أن يفسد، ويحافظ على عطاء عناصر البيئة وثرواتها نوعياً وكمياً. وانطلاقاً من هذا الدور فإن الإسلام يمنع الإنسان من إفساد مكونات البيئة بالملوثات والمواد الكيميائية والحيوية والفيزيائية التي تضر بصحتها وصحة الإنسان والحياة الفطرية من نباتٍ أو حيوان، ولذلك فكل ما يؤثر سلباً عليها ويلحق بها الضرر والأذى فهو حرام في الإسلام، بل ويؤثم كل من يقوم به، وفي المقابل يؤجر كل من يدفع الأذى والضرر عن أي مكونٍ بيئي حي أو غير حي، كما قال رسولنا في أحديث كثيرة منها: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة".

 

والمبدأ البيئي العام الثاني فإن الإسلام يدعو الإنسان إلى الوسطية والاعتدال في كل أمرٍ من أموره اليومية، وفي كل شأنٍ من شؤون حياته العامة، سواء أكانت الشعائر التعبدية، أم الأمور الاستهلاكية العامة، والإنفاق، واستعمال الموارد والثروات الطبيعية من ماءٍ وغذاءٍ وملبسٍ وطاقة، وجعل الوسطية والاعتدال من سلوك الإنسان المسلم الملتزم، فلا تبذير ولا إسراف، ولا تفريط ولا تقتير، كما أكد على الاعتدال والترشيد في الاستهلاك في جميع الظروف والأحوال، سواء أكانت الظروف ميسرة أم معسرة، وسواء أكانت هذه الثروات والموارد شحيحة وقليلة أم كثيرة ومتوافرة، فسياسة الترشيد أسلوب ونمط حياة عند المسلم، وليست ظاهرة آنية مؤقتة يطبقها بسبب ظروف قاهرة تنزل عليه، من نقصٍ في المال، أو شحٍ في الماء أو موارد الطاقة.

 

وكلي أمل بعد أن عرجنا على دور الإسلام في حماية البيئة، أن يرى هذا الإعلان الإسلامي حول أحد شؤون ومشكلات البيئة، وهو التغير المناخي النور في التنفيذ في دولنا، كما أتمنى مثل هذه الإعلانات الجماعية المشتركة في قضايا بيئية أخرى لا تقل أهمية، وعلى رأسها حماية البحر وثرواته الغذائية، والمحافظة على الثروة المائية التي لا حياة بدونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق