الأربعاء، 26 أغسطس 2015

معركة القمامة تتفاقم


معركة "القمامة" في بيروت بدأت يوماً بعد يوم تحتدم وتتفاقم وتخرج عن السيطرة الأمنية العامة، فقد انحرفت إلى أبعادٍ أمنية وعنيفة خطيرة، ومواجهات شديدة بين الأمن والمتظاهرين وسقوط جرحى من الطرفين، كما أدت الآن إلى اعتصاماتٍ جماعية غير متوقعة تهدد السلم الأهلي واستقرار الحكومة، ولا تتناسب في رأي البعض مع مشكلةٍ "بسيطة وصغيرة" مثل تكدس القمامة والتأخر في جمعها ونقلها إلى مثواها الأخير.

 

ولكنني شخصياً، وانطلاقاً من خبرتي وتجربتي المتواضعة في التعامل مع القضايا البيئية بشكلٍ عام ومن خلال متابعاتي الحثيثة منذ أكثر من ثلاثين عاماً لانعكاسات المشكلات البيئية في دول العالم عبر هذه السنوات الطويلة، فإنني أرى بأن آلت إليها الأوضاع في العاصمة اللبنانية بيروت بعد أكثر من شهر من استمرار مشكلة تجمع المخلفات المنزلية والبلدية الصلبة في الطرقات والمجمعات والمرافق العامة، هي النتيجة الواقعية والمنطقية والحتمية التي تنجم عن اهمال وتجاهل هموم وشؤون البيئية ومشكلاتها، وعدم التصدي لها جذرياً ومعالجتها وهي في مهدها عندما تكون صغيرة وسهلة العلاج والتحكم وقبل أن تنمو وتكبر وتتحول إلى غولٍ عملاق لا يمكن السيطرة عليه والتحكم في ردود فعله وتصرفاته.

 

فمشكلة القمامة بدأت صغيرة وغير ملحوظة لدى الكثير من المواطنين، وتمثلت في تأخر جمعها وتراكمها مع الأيام، حتى أصبح منظرها مألوفاً ومزعجاً للسكان وهي متكدسة بعضها فوق بعض، ومع الوقت تحولت إلى ظاهرة بيئية وصحية من حيث انبعاث الروائح السامة والكريهة والعفنة، وخروج مخلفات سائلة من تحت هذه الأكوام المتراكمة وتحويل الطرقات إلى مجرى لهذه المياه الآسنة والسامة. وبالرغم من كثرة شكاوى المواطنين من هذا المشهد المؤذي للنظر والمفسد للهواء والصحة العامة، إلا أن الجهات المعنية لم تحرك ساكناً وكأن المشكلة غير موجودة ولا يعاني أحد من تفاقمها شيئاً فشيئا، فكان التجاهل الأعمى من المسؤولين والأذن الصامتة التي لا تسمع نداءات المواطنين وتخفف عنهم آلام الضرر الذي لحق بهم.

 

ومع الأسف أن أزمة القمامة لم تأت "منفردة ومنعزلة" عن المشكلات الأخرى، وإنما تزامنت مع أزمات أخرى يواجهها المواطن اللبناني، ويعاني من وطأتها منذ سنوات، فمنها قضية الفراغ السياسي وغياب رئيس لبنان منذ أكثر من عام وبالتحديد من مايو 2014 ، ومنها شلل الحكومة والبرلمان وعدم قدرتهما على أداء أدوارهما ووظائفهما، ومن جانبٍ آخر هناك الضائقة المعيشية التي نزلت على المواطن من انقطاع الكهرباء والماء والإنترنت بشكلٍ دوري مستمر، ومنها الحرب في سوريا التي ألقت بظلالها الكئيبة من جميع النواحي على الشعب اللبناني، ومنها الوضع الاقتصادي السيئ والمتدهور للحكومة اللبنانية والمتمثل في تراكم الديون الخارجية، وقد لخص رئيس الوزراء هذا الوضع المأساوي في 23 أغسطس واصفاً إياه بـ "المخلفات السياسية"، وقال بأن لبنان متجهة نحو الانهيار.

 

فمع هذا الوضع المتراكم مع الزمن والمتدهور يومياً أمنياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، جاء في الوقت نفسه "التدهور في الوضع البيئي"، فكان كما يقول المثل:" القشة التي قصمت ظهر البعير"، فلم يستطع ظهر المواطن أن يتحمل المزيد من الأثقال، ولم يعد يتحمل أعباءً جديدة أخرى إضافية، فقَلْت حيلته ونفد صبره، وانفجر غاضباً وخرج إلى الشارع يُعبر عن استيائه وسخطه من الحالة المزرية التي يعيش فيها من جميع الجوانب.

 

وعلينا نحن في البحرين أن لا تمر علينا هذه التجربة القاسية والمؤلمة مرور الكرام، فلا بد من أن نقف أمامها ونتعلم من سلبياتها وهفواتها، وألخصها في النقاط التالية:

أولاً: يجب علينا أن نُقدم الحلول الناجعة والجذرية والمستدامة لكل مشكلة بيئية نعاني منها، ولا ندعها تتفاقم وتتضخم، فتولد لنا مشكلة سياسية وأمنية نحن في غنى عنها.

 

ثانياً: مشكلة إدارة القمامة معقدة جداً وتحتاج إلى علمٍ دقيق وخبرة واسعة، فلا بد من أن نضع لها استراتيجية طويلة الأمد تتمثل في كيفية التعامل مع القمامة المتزايدة في البحرين، فلا نعتمد فقط على "الدفن"، فالبحرين صغيرة المساحة ولن تكون هناك مواقع مناسبة للدفن مستقبلاً.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق