الأحد، 16 أغسطس 2015

أمريكا بلد العنصرية


مازال المواطن الأمريكي من أصول أفريقية يبحث عن حقوقه المدنية الضائعة في بلده، ويجاهد ويكافح يومياً ليحصل عليها، ومازال هذا المواطن منذ عشرات السنين يُنظم الاحتجاجات والمظاهرات والمسيرات ليُقنع الحكومة الأمريكية ويُذكرها بأنه مواطن أمريكي كباقي المواطنين، فكل ما يطالب به ويعمل من أجله منذ عقودٍ وسنوات طويلةٍ  عِجاف هو المساواة في التعامل والحقوق وعدم التمييز بينه وبين باقي المواطنين على أساس اللون.

 

فالعنصرية والتمييز على أساس لون البشرة ليس تاريخاً قديماً من العصور الغابرة السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية فنقرأ عنه في صفحات الكتب، وإنما هو واقع مشهود يعاني منه السود حتى يومنا هذا، والحوادث المؤلمة التي نقرأ عنها ونشاهدها تثبت هذه الحقيقة وتؤكد استمرارية وجود ظاهرة التمييز والعنصرية والكراهية للسود، وآخر هذه الحوادث المقيتة، ولن تكون حتماً الحادثة الأخيرة قيام شابٍ أبيض مراهق في 17 يونيو من العام الجاري بإعدام تسعة من المصلين السود في إحدى الكنائس التاريخية في مدينة جارلستن(Charleston) بولاية جنوب كارولينا.

 

ولذلك كان لزاماً على الأمريكي الأسود من الأصول الأفريقية أن يواصل المطالبة بحقوقه المدنية المشروعة دستورياً منذ أن بدأها بفاعلية ومنهجية داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج عندما قام بثلاث مسيرات تاريخية أولها في السابع من مارس عام 1965 من مدينة سلما التاريخية العريقة(Selma) إلى مدينة مونتجومري بولاية ألباما المعروفة بعنصريتها واضطهادها للسود وتمييزها الفاحش والبذيء بين السود والبيض، فقد قام وبعد مرور خمسين عاماً على المسيرة الأولى بتذكير أمريكا بتلك المسيرات والمحاولة من جديد في الثاني من أغسطس من العام الجاري بمسيرة احتجاجية طولها زهاء 1385 كيلومتراً من مدينة سلما إلى العاصمة واشنطن، وأَطلق عليها "رحلة أمريكا للعدالة"، وتستغرق هذه المسيرة أربعين يوماً مروراً بعدة ولايات منها جورجيا وولاية كارولينا وفيرجينيا وتنتهي في 15 سبتمبر.

 

واليوم هذه المدينة التاريخية نفسها تشهد نوعاً آخر جديدْ من العنصرية والتمييز وعدم المساواة في التعامل بين السود والبيض، وبين الفقراء والأغنياء، وبين الأقليات والفئات الأخرى، وبين المستضعفين وغير المتعلمين ورجال الثروة والمال والنفوذ السياسي، وهذا النوع من التمييز يُعرف بـ "العنصرية البيئية"، أو بمصطلحٍ أعم وأشمل "العدالة البيئية".

 

وتتلخص هذه العنصرية في تحويل مناطق الفقراء والمعدومين والأقليات الضعيفة وغير المتعلمين الذين لا حول لهم ولا قوة، وليست لهم القوة والكفاءة والنفوذ القانوني والسياسي إلى مواقع لدفن المخلفات بأنواعها المختلفة من قمامة ومخلفات صناعية وغير صناعية، أو إنشاء محطات لمعالجة مياه المجاري والمناطق الصناعية فيها. وقد بدأت ملامح هذه الظاهرة تنكشف منذ السبعينيات من القرن المنصرم، عندما قام مجلس نوعية البيئة بكتابة تقريرٍ في عام 1971 موجهٍ إلى الرئيس الأمريكي رداً على احتجاجات السود في قضية مقاطعة وارن مقاطعة وارن(Warren County) في ولاية شمال كارولاينا والمتعلقة برفضهم إنشاء مدفن لمخلفات الـ  بي سي بي(PCBs) المعروفة بسميتها العالية في منطقة سكنهم.

 

 ثم مع الوقت بدأت الصورة تتضح أكثر، وبخاصة في عام 1993 بعد أن نُشرت دراسة تفصيلية وشاملة أكدت فيها على واقعية ظاهرة انتشار المدافن والمصانع ومحطات معالجة المخلفات في الأحياء الفقيرة ذوي الدخل المحدود من السود وغيرهم من الأقليات المستضعفة، مما اضطر الرئيس الأسبق بيل كلينتون في عام 1994 إلى توقيع أمرٍ تنفيذي رقم 12898 حول العدالة البيئية إنشاء جهاز خاص يعالج هذه القضية العنصرية.

 

ولذلك نرى أنه بالرغم من هذا الأمر الرئاسي، إلا أن مجتمعات السود الفقيرة مازالت تقع تحت وطأة هذا النوع من التمييز، فعلى سبيل المثال، مدينة يونيون(Uniontown) التي تبعد نحو 45 كيلومتراً من مدينة "سلما" التاريخية هي مرة أخرى تشهد الآن مسرحية العنصرية الجديدة وتفرض نفسها في الصفحات الأولى من تغطيات وسائل الإعلام، ففيها أكبر موقع للمخلفات في ولاية ألباما، ويعاني السكان السود من الملوثات الخطرة التي تلوث هواءهم وتعرضهم للأمراض المزمنة، وقد نشرت عدة تحقيقات صحفية تؤكد هذا الوضع التمييزي العنصري الذي يقاسي منه السود، منها التحقيقات المنشورة في صفحة أخبار الـ إن بي سي(NBC) وآخرها الصادر في السابع من أغسطس من العام الحالي.

 

ولذلك تستحق أمريكا لقب "بلد العنصرية"، فشعبها يقاسي من كل أنواع التمييز العنصري وعدم المساواة في الحقوق بين أفراد مجتمعها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق