الخميس، 6 أغسطس 2015

مظاهراتٌ عنيفة من أجل القمامة!



هل تستحق القمامة هذه الهزة الجماهيرية العنيفة والقوية في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت وأمام مقر الحكومة ومجلس النواب؟
وهل تستأهل هموم وشؤون مخلفات البلدية الصلبة هذه المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الغاضبة المشحونة معاناة وألماً، بحيث قام المتظاهرون بأعمال الشغب، والحرق، وقطع الطرق الرئيسة، والتضحية بالنفس ومواجهة رجال الشرطة؟
وهل تحتاج القمامة إلى عقد اجتماعٍ طارئ غير عادي لمجلس الوزراء للنظر فيها وفي ملابساتها وسبل تهدئة الناس وامتصاص غضبهم ونقمتهم على حالة القمامة في عاصمتهم؟
وهل قضية القمامة بلغت هذه الدرجة من الأهمية والخطورة بحيث إن رئيس الوزراء هَدَّد بتقديم استقالته؟

فما يحدث أمامنا اليوم في بيروت منذ 17 يوليو حول أزمة القمامة والمخلفات البلدية لهو مثال بسيط وواقعي مشهود على أهمية القضايا البيئية بشكلٍ عام مَهْما صغرت في عِين البعض، ومهما كانت وضِيْعة وحقيرة في نظر بعض المسؤولين، فالقضايا البيئية إذا أُهملت وتم تجاهلها ولم توجد لها الحلول الجذرية والدائمة فستفرض نفسها على الساحة الوطنية وعلى المستوى المحلي الصغير، وفي بعض الأحيان تنتقل عدواها فتغطي مساحة جغرافية أوسع، وتفرض نفسها على المستوى الدولي والكرة الأرضية برمتها كقضية التغير المناخي، والتنوع الحيوي، وطبقة الأوزون، وانتقال الملوثات عبر الحدود الجغرافية.

فهناك الكثير من المسؤولين الذين لا يريدون أن يستوعبوا خطورة القضايا البيئية وتهديدها للسِلم الوطني، وقدرتها على زعزعة الأمن والاستقرار وتفتيت الحكومات وإثارة المظاهرات والاحتجاجات العنيفة والمدمرة، فهم لا يعلمون عن ما أُطلق عليه بـ"دورة المشكلة البيئية".

فكل مشكلة، أو قضية بيئية تمر بعدة مراحل، وتنتقل من حالٍ إلى حالٍ أسوأ وأشد وطأة على المجتمع من أفراد وحكومات، فهي تبدأ في أول الأمر كمشكلة بيئية بحتة يكتشفها علماء البيئة ويتحدثون عنها في أروقتهم العلمية، ثم تتطور مع الوقت لتنتقل إلى ألسنة وسائل الإعلام، ومع الوقت إذا ترُكت على ما هي عليها دون حلٍ مستدام فإن آثارها السلبية البيئية والصحية ستظهر رويداً رويداً وتتسع دائرة انتشارها وتأثيرها وتتفاقم تداعياتها على قطاع أوسع من الناس، وإذا لم تتدخل الجهات المعنية في هذه المرحلة لقطع الطريق أمام انعكاسات المشكلة على الناس ووقف أضرارها عليهم، فإنها ستصبح قضية سياسية وأمنية ويتدخل المواطن نفسه بيده ليبدي غضبه على تجاهل المسؤولين وعجزهم عن درء الضرر والمفسدة عنهم.

فهذا ما حدث بالفعل في بيروت عندما تـُركت القمامة في المجمعات السكنية وأمام منازل الناس وفي الطرقات أياماً طويلة دون أن تُجمع من هذه المواقع وتدفن في المناطق المخصصة لذلك، فملأت الشوارع واكتظت بها الطرقات وانقطعت الحركة المرورية في بعض الشوارع، ومع الحر الشديد وأشعة الشمس الحارقة تحللت هذه القمامة فانبعثت منها الغازات السامة والملوثات العفنة والكريهة الرائحة والمنفرة والمفسدة للهواء الجوي، وفي الوقت نفسه خرجت المخلفات السائلة من تحت ركام القمامة وجرت في الطرقات كأنهارٍ سامة ذي رائحة كريهة تضر بالبشر والحجر والدواب، ومع كل هذا الوضع البيئي والصحي الخطير أغمضت الحكومة عينيها وتجاهلت هذه المشاهد التي يقاسي منها عشرات الآلاف من الناس يومياً، فلم تُحرك ساكناً، ولم تقم بأي إجراء فعلي ملموس يقلل من معاناة المواطنين ويخفف من الضرر الصحي والنفسي اليومي الذي يتعرضون له بسبب هذه الحالة.

ومع تفاقم الوضع، وتعاظم الضرر، وتجاهل الحكومة لهذه المشكلة البيئية الصحية، اضطر المواطنون إلى الخروج إلى الشارع لإبداء استيائهم وسُخطهم على الحكومة الصامتة من خلال سد الطرق وحرق الإطارات وترديد شعاراتٍ غاضبة تهدد استقرار الحكومة والأمن العام.   

فهذا المثال الواقعي الذي نشهده أمام أعيننا في هذا البلد العربي ليؤكد لي على أهمية الاهتمام بالقضايا البيئية وعلاجها وهي في مهدها قبل أن تستفحل وتتحول إلى غولٍ لا يمكن السيطرة عليه، فهل من مُدَّكر؟     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق