الاثنين، 11 سبتمبر 2017

السجن لمن يستخدم أكياس البلاستيك!


لأول مرةٍ أسمع وأقرأ عن قانونٍ بيئي يُدْخل الإنسان في غياهب السجن الدامس إذا قام باستخدام، أو بيع، أو الاتجار في أكياس البلاستيك، فهل أصبحت قضية إنتاج واستعمال المواد البلاستيكية بهذه الخطورة والتهديد للمجتمع البشري بحيث تحولت من قبل الإنسان إلى جريمةٍ كباقي الجرائم التي يُعاقب عليها القانون بالسجن؟!

 

ففي كينيا، الدولة الأفريقية، تم إقرار قانونٍ جريء وشجاع وصارم حول المواد البلاستيكية عامة، والأكياس البلاستيكية بصفةٍ خاصة، حيث وافقت الحكومة في 28 أغسطس من العام الجاري على أشد القوانين حزماً من بين دول العالم حول إنتاج، وبيع، واستخدام الأكياس البلاستيكية بحيث إن أي مخالفٍ لهذا القانون سيُعرض نفسه للعقوبة القاسية، والتي تتمثل في غرامةٍ مالية قدرها قرابة 14 ألف دينار بحريني، أو الإيداع في السجن لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.

 

فما هي الأسباب التي ألزمت هذه الدولة الفقيرة إلى تبني مثل هذا القانون، وما هي مبررات حكومة كينيا التي اضطرتها إلى السلوك نحو هذا التوجه الصارم والشديد الفريد من نوعه بين دول العالم؟

 

لا شك بأن المعاناة من استخدام الأكياس البلاستيكية عميقة وخطيرة وتهدد المجتمع الكيني، فمرارة استعمال الأكياس البلاستيكية ضربت في قطاعات كثيرة، ليس القطاع البيئي فحسب، وإنما القطاع الصحي المتمثل في الأمن الصحي للناس والحياة الفطرية الحيوانية والنباتية، وانعكاس كل هذه التهديدات على الجانب الاقتصادي.

 

وقد لخصت وزيرة البيئة الكينية أسباب ومبررات الحكومة لاعتبار استخدام الأكياس البلاستيكية جريمة يحاسب عليها القانون ويعاقب كل مرتكبيها في قولها: "البلاستيك مادة سامة للبيئة بشكلٍ عام، فهي أثرت على المسطحات المائية، وأهلكت الحياة الفطرية الحيوانية من مواشي منزلية وأحياء حيوانية طبيعية تعيش في بيئاتها الفطرية، والأدهى من ذلك والأمر والأشد تنكيلاً هو أننا ربما نأكل هذه المخلفات البلاستيكية دون أن نعلم".

 

فالواقع الذي يشهده كل إنسان ولا يخفى على أحد أن المخلفات البلاستيكية عامة، والأكياس البلاستيكية خاصة نجدها في كل بقعة صغيرةٍ أو كبيرة في معظم دول العالم، وفي كل شبرٍ من أرجاء هذا العالم الفسيح في أعالي السماء أو في أعماق البحار السحيقة المظلمة التي لم يصل إليها الإنسان بعد، فهي حاضرة في أكثر البيئات بعداً عن البشرية والأنشطة التنموية وهي تجري في شرايين بيئتنا كجريان الدم في جسم الإنسان، فنشاهدها الآن وهي تزين أوراق الأشجار كالمصابيح، وتمتلئ بها الطرقات والشوارع والأحياء، ونراها تشوه منظر البيئات الفطرية الطبيعية كالبراري والصحاري القاحلة والمسطحات المائية من أنهار وبحيرات ومحيطات، وهي كذلك نكتشفها في الأماكن التي لا تخطر على بال بشر ولا يتصور أي منَّا وجودها في تلك المواقع، فقد اكتشف العلماء مخلفات البلاستيك في بطن الأسماك والسلاحف البحرية، وشاهدوها وهي تخنق الأحياء والطيور المائية وتقتل الكائنات البرية التي تملأ المخلفات البلاستيكية بطونها وجهازها الهضمي.

 

والأشد من كل هذا خطورة وتهديداً للبشرية جمعاء هو دخول المخلفات البلاستيكية صغيرة الحجم والتي قد لا تُرى بالعين المجردة في السلسلة الغذائية للإنسان، حيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ من غذاء كل إنسان في كل أنحاء العالم، فهو يستهلك البلاستيك دون أن يعلم أو أن يحس بوجودها. فالمخلفات البلاستيكية عندما نرميها في البيئة تتأثر بالظروف المناخية من حرارة وضوء الشمس، وضربات الرياح والتيارات الهوائية في البر والبحر، ومع الوقت تتفتت هذه المخلفات البلاستيكية إلى أجسام متناهية في الصغر يُطلق عليها بالميكروبلاستيك، وهذه الجسيمات الصغيرة يسهل ابتلاعها من كل الكائنات الحية، سواء أكانت بحرية، أو برية، أو طيور برية ومائية، ومع الزمن تتراكم هذه المخلفات في أجسام هذه الأحياء وتنتقل إلى الإنسان في سريةٍ وخفاءٍ شديدين من خلال أكل هذه الكائنات البرية أو البحرية المسمومة بالمخلفات البلاستيكية، فتتراكم في أجسامنا يوماً بعد يوم، فإما أن نسقط صرعى ونُنقل إلى مثوانا الأخير، وإما أن نسقط مرضى نعاني من الأسقام والعلل المزمنة والمستعصية على العلاج ودون أن نعلم سبب موتنا أو مرضنا.

 

فهل بعد أن علمنا خطورة البلاستيك على الأمن الصحي للإنسان ولكل كائنٍ حي يعيش على وجه المعمورة، نلوم كينيا أو أية دولة أخرى تتخذ إجراءات صارمة وشديدة ضد هذه المخلفات البلاستيكية؟  

 

إن اللوم حقيقة يجب أن يوجه للدول التي لم تَسع حتى الآن لوقف تمدد هذه المخلفات البلاستيكية في بيئتنا وفي كائناتنا الحية، فتسمح هذه الدول باستخدامها دون ضوابط أو إجراءات مُقيدة ومقننة. 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق