السبت، 16 سبتمبر 2017


هل تستحق مادة البلاستيك ومخلفاتها أن تحصل على معاملة جماعية خاصة من بين عشرات الآلاف من المواد والمنتجات فأدعو إلى تخصص اتفاقية دولية معنية بها وحدها؟

وهل تستحق البلاستيك أن تجتمع وفود دول العالم مراتٍ ومرات للتفاوض حول كيفية التعامل معها ومع المخلفات البلاستيكية التي تنتج بعد استخدامها والتخلص منها؟

وهل أصبحت المخلفات البلاستيكية قضية خطيرة ومعقدة بحيث إن كل دولة لوحدها لا تستطيع التحكم فيها ومواجهتها بشكلٍ مستقل؟

 

ففي تقديري، ومن المبررات التي سأُقدمها لكم، فإن المخلفات البلاستيكية تحتاج فعلاً إلى اهتمامٍ دولي مشترك ورعاية جماعية منسقة، فالقضية تخطت الحدود الجغرافية للدول وخرجت عن سيطرة الدولة الواحدة، وتحولت إلى غولٍ عظيم لا تستطيع أية دولة لوحدها أن تكافحها وتواجه تحدياتها.

 

فالعالم ينتج سنوياً أكثر من 322 مليون طن سنوياً من المواد البلاستيكية التي دخلت في صناعة كل منتجاتنا كالسيارات، والطائرات، والهواتف، والأجهزة الطبية وغير الطبية، وألعاب الأطفال، وغيرها من المنتجات التي لا تعد ولا تحصى، وزهاء 13 مليون طن منها تتحول إلى مخلفات سنوياً وتأخذ طريقها مع الزمن إلى المسطحات المائية، والبراري والصحاري الباردة والحارة، والغابات النائية، وأعماق المحيطات السحيقة المظلمة، فهي تفرض نفسها أينما كُنا، بل وفي المواقع التي لم تصل إليها أيدي البشر بَعْد ولم يتخيل أحد وصول البلاستيك إليها، فلا توجد فيها أو بالقرب منها أية مصادر للتلوث البلاستيكي، ومن هذه المخلفات ما يشاهدها الإنسان بالعين المجردة وهي تطفو فوق سطح الماء أو تزين أغصان وأوراق الأشجار، ومنها ما هو أشد بأساً على الإنسان وأشد تنكيلاً به على المدى البعيد وهي المخلفات الصغيرة الحجم والمتناهية في الصغر والتي مع الزمن تصبح جزءاً لا يتجزأ من السلسلة الغذائية للإنسان، فيلْتهم البلاستيك دون أن يعلم.

 

فالدراسات الميدانية أكدت وجود المخلفات البلاستيكية في جزرٍ نائية بعيدة جداً وغير مسكونة كجزيرة هندرسون (Henderson Island) في وسط المحيط الهادئ، حيث اكتشف الباحثون قرابة 38 مليون قطعة من هذه المخلفات على سواحلها حسب الدراسة المنشورة في مايو من العام الجاري في مجلة أمريكية وقائع الأكاديمية القومية للعلوم. كذلك الحملات الاستكشافية في جزر القطب الشمالي الجرداء المقفرة كالجزر في شبه جزيرة سفلبارد(Svalbard archipelago)  أكدت في يونيو من العام الجاري على العثور على نحو طنٍ من القطع البلاستيكية المتجمدة على سواحلها. كما اكتشف العلماء مخلفات البلاستيك الكبيرة الحجم في بطون الحيتان والسلاحف والأسماك الكبيرة والطيور البحرية، إضافة إلى وجود البلاستيك الصغير الحجم أو الميكروبلاستيك والذي لا يُرى بالعين المجردة في المواد الغذائية التي نستهلكها بشكلٍ يومي وعلى رأسها الأسماك.

 

ومن أكثر الاكتشافات غرابة ومن أشدها رعباً وفزعاً لقلوب الناس وتأثيراً على نفسياتهم هو وجود التلوث البلاستيكي في المياه، وبالتحديد مياه الشرب التي خَلَقنا الله منها وجعل كل شيءٍ حي بسببها. فقد نشرت منظمة أورب ميديا(Orb Media) تقريراً شاملاً ومخيفاً في السادس من سبتمبر من العام الجاري حول وجود المخلفات البلاستيكية الصغيرة الحجم في مياه الشرب في ست قارات شملت 159 عينة من مياه الشرب في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والبرازيل والهند ولبنان وأندونيسيا وهونج كونج والفلبين وأوغندا وأستراليا، حيث أكدت التحاليل على أن بأن 94% من العينات كانت ملوثة بالبلاستيك، فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية عينات مياه الشرب التي تم أخذها من مبنى الكونجرس والمبنى الرئيس لوكالة حماية البيئة كانت ملوثة بالبلاستيك!

فالأبحاث الآن أجمعت على أن المخلفات البلاستيكية بأحجامها المختلفة اخترقت بعمق كل بيئتنا، بل وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من كل مكونات البيئة وعناصرها الحية وغير الحية، فلم يبق على ظهر الأرض بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا ودخله التلوث البلاستيكي، فقد سكن في منازلنا وفي عقر دارنا، فهو موجود بين أيدينا، ومن أمامنا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، ولا نتمكن من الهروب من أضراره وتداعياته المهلكة حتى ولو كُنا في بروجٍ مشيدة مغلقة في أعالي السماء، أو تحت البحر وفي أعماقه السحيقة المظلمة.

 

وبعد كل هذه الحقائق هل يشك أحد في حاجتنا الماسة والملحة والعاجلة إلى اتفاقية دولية تعالج بصورة جماعية قضية المخلفات البلاستيكية في الكرة الأرضية البلاستيكية؟

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق