السبت، 23 سبتمبر 2017

نداء لمجلس الأمن حول قنابل الدمار الشامل


كتبتُ مراتٍ عديدة عن قضية مخلفات الدمار الشامل المخزنة في الدول النووية في ظروفٍ ومواقع غير سليمة وغير آمنة منذ عقود طويلة من الزمن، واليوم أجدني مضطراً لأُذكِّر وأُنبه مرة أخرى بهذه الكارثة التي ستنزل علينا كُلنا يوماً ما، وقد يكون قريباً، ولن تفرق هذه الطامة الكبرى إذا نزلت بين دولة أو أخرى، سواء أكانت الدول التي توجد فيها هذه المخلفات، أو الدول البعيدة التي لا شأن بها ولا دخل لها بهذه القضية، فالجميع سواسية أمام هذا الكرب القادم، والكرة الأرضية برمتها ستكون في خطرٍ جسيم يُهدد أمنها واستدامتها.

 

 فالريح الصرصر العاتية والأمطار الغزيرة الصاعقة التي انهمرت بشدة على مدن تكساس وفلوريدا الساحلية فجعلتها كالرَّميم، وأغرقت مُدناً كاملة وكأنها لم تك قط على الأرض، هي التي ألزمتني إلى التحذير من جديد وبشكلٍ عاجل إلى كارثة قنابل المخلفات الذرية الموقوتة.

 

فتداعيات إعصار هارفي التي لم يشهد لها تاريخ أمريكا مثيلاً كانت كثيرة ومتنوعة ولا تخفى على أحد، وتمثلت في موت أكثر من سبعين شخصاً وجرح وإصابة عشرات الآلاف، وغرق عشرات المدن الساحلية وإخلائها وإجلاء أكثر من مليون من مساكنهم وتسكينهم في الملاجئ والمدارس والملاعب والمساجد، وقطع مياه الشرب عن مئات الآلاف، وتدمير وتلف أكثر من مليون سيارة، وإغلاق عشرة مصانع لتكرير النفط، إضافة إلى مصانع كثيرة أخرى، حتى أن الكلفة الإجمالية لهذا الإعصار العصيب قُدرت بنحو 190 بليون دولار، في حين أن الكونجرس وافق على تخصيص مبلغ وقدره 7.85 بليون دولار كمساعدة عاجلة.

 

ومن أخطر مردودات الإعصار المدمر، وأكثرها تهديداً للإنسان، وأشدها بأساً وتنكيلاً بالكرة الأرضية هو ما حدث في مصنع أركيما للكيماويات بالقرب من هيوستن، حيث إن السيول والتيارات المائية العنيفة والجائرة جرفت معها كل شيء يقف في طريقها فقطعت التيار الكهربائي وحملت معها مياه المجاري ومخلفات المصانع السائلة والسامة، ثم غمرت هذه المياه الآسنة المناطق السكنية ومئات المصانع الموجودة في الأراضي المنخفضة على السواحل، إضافة إلى أنها غطت ودمرت خزانات مشتقات البترول والمواد الكيميائية السامة والمسرطنة فتسربت أطنان من هذه الملوثات إلى الهواء الجوي ووقعت حرائق ملتهبة وسلسلة من الانفجارات المتلاحقة التي هزت المنطقة برمتها ودمرتها، وكونت سحباً متراكمة من السموم التي غطت هذه المناطق وأثرت على الأمن الصحي للناس. وقد نشرت صحيفة النيويورك تايمس في التاسع من سبتمبر مقالاً تحت عنوان: “أكثر من 40 موقعاً انبعثت منها ملوثات خطرة بسبب إعصار هارفي"، وأكدت بأن 46 مصنعاً في 13 مدينة انطلقت منها نحو 4.6 مليون رطل من الملوثات حسب تقرير لصندوق الدفاع البيئي، كما أفاد التقرير بأن مياه الفيضانات والسيول غمرت 14 موقعاً لتخزين المخلفات السامة والخطرة وهذه السموم انتقلت إلى المناطق السكنية والتجارية، علماً بأن التحاليل التي أجريت على هذه المياه في 12 سبتمبر أكدت على تلوثها حيوياً وكيميائياً.

 

فهذه الحرائق والانفجارات وقعت نتيجة لتوقف التبريد عن خزانٍ يحمل في بطنه مركبات البِرُأُوكسايد العضوية السائلة القابلة للاشتعال، وما حدث هنا ذكَّرني فوراً بالكرب البيئي الصحي العظيم الذي نزل على الشعب الياباني في 11 مارس 2011 في محطة فوكوشيما النووي، عندما انقطع التيار الكهربائي عن المفاعلات التي تحتوي على الوقود المشع مما أدى إلى ارتفاع حرارتها واندلاع الحرائق وتسرب الإشعاع إلى الكرة الأرضية برمتها ودخولها في شرايين البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية في كافة أرجاء المعمورة.

 

فما حدث في تكساس وفلوريدا ونشاهده الآن أمام أعيننا، وما حدث في فوكوشيما باليابان قبل ست سنوات، قد يحدث في أي مكانٍ في العالم، فقد تنْزل هذه الكوارث الطبيعية من أعاصير وفيضانات وزلازل وسونامي في المواقع التي تُخزن فيها المخلفات الذرية المشعة، أو ما يُطلق عليها بمخلفات الدمار الشامل، أو مخلفات القنابل الموقوتة، سواء أكانت في أكثر من ثلاثين موقعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في بريطانيا، أو في فرنسا، أو في اليابان، أو في روسيا أو غيرها من الدول المثْقَلة بالمخلفات المشعة منذ الأربعينيات من القرن المنصرم، وهذه الكوارث قد تتسبب في تدمير براميل المخلفات النووية أو الصهاريج والحاويات التي تخزن فيها قنابل الدمار الشامل فتتسرب منها المواد المشعة، وقد تنجم عنها انفجارات لا تقل قوتها عن انفجار أية قنبلة ذرية، ولن يقل تهديدها للبشرية والكرة الأرضية برمتها عن القنبلتين النوويتين اللتين أُلقيتا على هورشيما ونجازاكي.

 

وقد حذرتْ مجلة "الطبيعة" المرموقة في مقال تحريري في 17 مايو من العام الجاري إلى هذه القضية التي تهدد الأمن الدولي تحت عنوان: "لماذا تُعْتبر المواقع الأمريكية النووية قنابل موقوتة تدق؟". ولا أدري بعد كل هذه الحقائق والتحذيرات لماذا لا يتحرك مجلس الأمن المسؤول عن أمن الكرة الأرضية بوضع هذه القضية الدولية على طاولة النقاش، والعمل على إيجاد حلولٍ عملية جذرية جماعية تُخلص الكرة الأرضية من كارثة انفجار مخلفات وقنابل الدمار الشامل النووية؟ 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق