لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل
النظريات التي كُتبت حول الجهات التي قامت بتنفيذ كارثة الحادي عشر من سبتمبر في
مدينة نيويورك الأمريكية في عام 2011،
فالرواية المعْتمدة والتي تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن يُصدقها الجميع هي
قيام تنظيم القاعدة بهذه العملية المعقدة وغير المسبوقة في التاريخ المعاصر.
فما يهمُني، وما يهم كل مواطنٍ خليجي
هو تداعيات هذه الكارثة على دول الخليج قاطبة، وانعكاساتها الحالية والمستقبلية
على جميع دول الخليج بدون استثناء، فلن يفلت أحد منها مهما ادعى، أو أنكر، أو قدم
الأدلة على عدم تورطه بأي شكلٍ من الأشكال في وقوعها، ولن تكون أية دولة خليجية
بمنأى عنها، مهما كانت صديقة مُقربة وحليفة إستراتيجية للولايات المتحدة
الأمريكية، فأمريكا ليس لها صديق دائم.
فبعد أن سمح الكونجرس الأمريكي من
خلال قانون "العدالة في مواجهة رُعاة النشاط الإرهابي"(جاستا) لكل مواطن
أمريكي تضرر بأية صورةٍ من الصور لرفع دعوى قضائية في المحاكم الأمريكية وتقديم
الشكوى للحصول على التعويضات المالية المناسبة، فقد بدأت الدعاوى تنهمر وتكتظ بها
أروقة المحاكم، وتزداد أعدادها يوماً بعد يوم.
فالضرر الذي لحق بالأمريكي قد يكون من
أي نوعٍ مهما كان بسيطاً وصغيراً، فقد يكون نفسياً بسبب خوفه وقلقه
وتعكر مزاجه من هذه الكارثة، أو شعوره بالاكتئاب، أو يكون الضرر عضوياً نتيجة
لتعرضه للغبار وإصابته بالحكة في عينيه، أو بيئياً نتيجة لتلوث الهواء وتدهور نوعيته
أثناء سقوط المباني وانتشار الغبار والملوثات الأخرى، والأخطر من هذا كله أنه لن
يكون هذا الجيل فقط الذي سيُقاضي دول الخليج وإنما حتى الأجيال اللاحقة ستُلاحقنا
وتطاردنا جميعاً كالكابوس الذي يجثم فوق صدر الإنسان فيخنقه وهو نائم!
وفي الحقيقة الذي دفعني إلى التطرق
لهذه الكارثة هو المقال المنشور في مجلة النيوزويك الأمريكية في 12 سبتمبر من العام الجاري تحت
عنوان:" دراسة أوجَدتْ بأن الأطفال الذين تعرضوا للغبار في الحادي عشر من
سبتمبر تظهر عليهم مؤشرات مرض القلب". فقد أفاد علماء من جامعة نيويورك
(New York University Langone Health) بأن الأطفال الذين تعرضوا واستنشقوا الغبار والملوثات الكيميائية
التي انطلقت من المباني، بدأت تنكشف عليهم علامات الإصابة بمرض القلب، حيث تم أخذ
عينات من 308 أطفال،
منهم 123 طفلاً
تعرضوا للغبار، فهؤلاء الأطفال ظهرت عليهم مؤشرات مرض القلب والمتمثلة في ارتفاع
مستويات الدهون التي تلعب الدور الرئيس في تصليب الشرايين في
دمائهم، وهذا الحالة لو استمرت عندهم فستؤدي مع الوقت إلى انسداد الأوعية الدموية
وأخيراً التعرض للسكتة القلبية. ومن الملوثات الكيميائية المتهمة هي المركبات
العضوية متعددة الفلور التي انطلقت عند احتراق الأجهزة الإلكترونية، وهذه المركبات
تم اكتشافها في دم بعض الأطفال والتي قد تؤدي إلى ارتفاع تركيز الدهون، حسب
المنشور في مجلة "عالمية البيئة" في العدد في السابع من سبتمبر من العام
الجاري.
كما نشرت مجلة النيوزويك في الحادي عشر
من سبتمبر مقالاً تحت عنوان: "أطفال 11 سبتمبر، العلماء
يكتشفون سموم في أسنان الأطفال"، حيث نقل المقال خبر البحث الذي يجريه مستشفى
مونت سيناي (Mount Sinai Hospital) في نيويورك،
والذي يهدف إلى التعرف على الآثار الصحية طويلة المدى على الكبار والأطفال الذين
تعرضوا للملوثات الموجودة في الهواء الجوي بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، حيث أفاد
الباحثون بأن نصف الأطفال الذين تم فحص أسنانهم وجدت فيها مستويات منخفضة من
العناصر الثقيلة مثل الرصاص والقصدير، والتي كانت موجودة في الغبار المنبعث من
انفجار المباني.
وهناك دراسات نُشرت من قِبل، وستُنشر دراسات كثيرة في المستقبل القريب،
وجميعها ستهدف إلى الربط بين الغبار والملوثات التي انتشرت نتيجة لانفجار المباني
والآثار البيئية التي نجمت عنها من جهة، والأضرار الصحية النفسية، والعضوية،
والعقلية التي لحقت وستلحق بكل من تعرض لها بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، سواء في هذا
الجيل أو الأجيال القادمة، وكل هؤلاء سيرفعون دعاوى قضائية ضد حكومات الخليج
وسيُطالبون بمبالغ طائلة كتعويض عن كل ضررٍ، مهما كان صغيراً وتافهاً لحق بهم
وبأطفالهم.
فكيف ستواجه دول الخليج هذا
التهديد والابتزاز المالي الجماعي الذي لن يُفرق بين أي واحدٍ منهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق