الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

الحرب العالمية لم تَنْته!


عند الكثير من الناس تنتهي الحرب عندما تعود قوافل الجنود إلى ثكناتها، وتسكت أصوات الرشاشات والبنادق، وتصمت فوهات المدافع، وتحط الطائرات وتنتقل إلى مواقفها، ولكن في تقديري فإن الحرب تكون قد انتهت وتوقفت كلياً عندما تزول تداعياتها وانعكاساتها على البيئة والناس أجمعين، فلا نشاهد أي أثرٍ ضارٍ باق لها في المجتمع.

 

ومن هذا المنطلق فإن الحرب العالمية لم تنته بعد، ولن تنته قريباً لأن مردوداتها مازالت باقية أمامنا وتنكشف في كل يومٍ في دولة من الدول التي خاضت هذه الحرب الضروس الطاحنة. 

 

ومن بصمات الحرب وآثارها الباقية التي نُقشت في أعماق بيئتنا وتهدد أمننا وتُعكر مزاجنا وتصيبنا بالهلع والخوف وعدم الاستقرار هي مخلفات عشرات الآلاف وملايين الأطنان من القنابل والصواريخ والذخائر التي انهمرت من أعالي السماء كالأمطار الغزيرة على القارة الأوروبية، فدُفنت في أراضيها، أو في بحارها وفي مناطق مجهولة لا يعلم عنها أحد، أو في غاباتها الكثيفة وأشجارها الباسقة، فهي تُكشر على أنيابها بين الحين والآخر وتثير حالة من الفزع وعدم الاستقرار الأمني،وقد تظهر في أية بقعة من هذه الدول في البر أو أعماق البحار السحيقة، فلا يستطيع أي إنسانٍ أن يتوقع أماكن وجودها ومواقع دفنها تحت الأرض.

 

وآخر هذه المخلفات العصيبة، ولن تكون حتماً الأخيرة، شاهدناها في السابع من سبتمبر من العام الجاري، عندما تم العثور على قنبلة ضخمة مهيبة من أيام الحرب العالمية الثانية في منطقة معمورة بالسكان في مدينة بيالستوك(Bialystok) في بولندا، وفور اكتشاف هذا الغول المرعب تم إعلان حالة الطوارئ، وكأن الحرب قد اندلعت من جديد،وتم مباشرة إجلاء أكثر من عشرة آلاف بولندي من مساكنهم وأحيائهم لعدة أيام، فقد كانت قنبلة ألمانية ثقيلة ومدمرة، استغرق إزالتها والتخلص منها وإبطال مفعولها أكثر من يومين.

 

وفي 31 أغسطس من العام الجاري في مدينة فرنكفورت الألمانية تم العثور على مخلفات قنبلةٍ بريطانية تزن طناً ونصف الطن أثناء القيام بأعمال الحفر للبناء، وتم أيضاً تحذير الناس من خطرٍ وشيكٍ قادم، وتم في الوقت نفسه إخلاء منطقة سكنية وتجارية مساحتها أكثر من سبعة كيلومترات مربعة وإجلاء سبعين ألف ألماني من بيوتهم وهم يعيشون حالة من الخوف والفزع وعدم الاستقرار النفسي والأمني.


 


كذلك في 25 ديسمبر في مدينة أوجسبرج(Augsburg) الألمانية تم اكتشاف قنبلة عظيمة لم تنفجر، وألقت الرعب والرهبة في قلوب أكثر 55 ألف إنسان اضطروا إلى الفرار من مساكنهم والخروج من منازلهم وأحيائهم حتى تتم عملية تعطيل هذا الجسم الكبير.


 


وفي اليونان في مدينة ثيسالونيكي(Thessaloniki) في الحادي عشر من فبراير من العام الجاري تم إجلاء سبعين ألف يوناني من بيوتهم لتعطيل قنبلة من زمن الحرب العالمية الثانية تم العثور عليها عند القيام بتشييد وبناء شارعٍ في المدينة. 


 


وهكذا نرى أمام أعيننا ونشاهد يومياً بأن الحرب في القارة الأوروبية لم تنته بعد بالرغم من مرور أكثر من 75 عاماً، ولن تنتهي في القريب العاجل، فحالة الرعب والخوف وعدم الاستقرار الأمني والفزع والرهبة من المجهول ومن ظهور مخلفات الحرب وانفجارها في أي مكان، وفي أي وقتٍ وفي أية لحظة، وفي أية دولة مازالت قائمة، ومازالت جاثمة على صدور الناس تُذكرهم بأيام الحرب الكئيبة والمظلمة التي لم تدع شيئاً أتت عليه إلا جعلته كالرميم، فأكلت الأخضر واليابس، ودمرت الحرث والنسل.


 


فكلما أراد الناس أن ينسوا ذكريات الحرب المؤلمة، ومعاناتها الموجعة، وصورها المرعبة، تبعثرت هذه المخلفات المدمرة من قبورها وبرزت فوق السطح أمام الناس، فأحيت في نفوسهم كروب الحرب المشئومة، وجددت في قلوبهم المآسي المفجعة والمصائب التي نزلت عليهم.


 


فهذه هي الحروب، كلها شر ودمار وفساد في الأرض، فإذا انتهت وتوقفت أصواتها، فآثارها ومردوداتها لا تنتهي، وتبقى خالدة مخلدة إلى أن يشاء الله، فأسأل الله أن يجنبنا الحروب ويُنعم علينا بالأمن والأمان والاستقرار. 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق