الثلاثاء، 5 سبتمبر 2017

ظاهرة الكلاب الزَرْقاء؟



استوقفتني الصور الحية لمجموعة من الكلاب التي رأيتها من خلال وسائل الإعلام الهندية في مُومباي بالهند، فلم تكن كلاباً عادية طبيعية كما نراها في كل مكان ونشاهدها أمامنا في الأحياء والطرقات، وإنما كانت هذه الكلاب غريبة الأطوار لم أشهد مثلها من قبل، فلونها أزرق فاقع كلون السماء!

فمن أين جاءت هذه الكلاب الغريبة الألوان؟
أم أنها أجسام سماوية كَونية، ومخلوقات غازية فضائية من عالمٍ آخر نزلت إلى الأرض من الأطباق الطائرة؟

فأول الصور لهذه الكلاب نُشرت في 11 أغسطس، وأثارت فزع الناس وتساؤلاتهم المريبة، ليس في تلك المنطقة التي ظهرت فيها هذه الكلاب، وإنما في كل أرجاء الهند الواسعة، بل وانتقلت صور هذه الكلاب المشبوهة إلى كل دول العالم، وانتاب الناس شيئاً من الخوف والرعب من هذا المنظر الغريب الذي لم يشاهده أي إنسان من قبل في أي مكانٍ على وجه الأرض، مما اضطر الجهات المعنية إلى التدخل فوراً لسبر غور هذه الظاهرة، وكشف أسرارها عاجلاً، وتقديم الجواب السريع والشافي لحل هذا اللغز الغامض.

وفي البداية كان هناك تردد شديد من الجميع من الاقتراب من هذه المخلوقات الزرقاء الغريبة التي ظهرت فجأة أمام الناس وحيرتهم عند رؤيتها مرة واحدة في أحيائهم، ولكن بالرغم من هذا الترقب والتخوف كان لا بد من التعرف عليها عن كثب لكشف سرها والغموض الذي يدور حولها، فقد تم تكليف فريق خاص للتحري والمتابعة ومراقبة حركات هذه المخلوقات في كل ساعات اليوم، من الليل والنهار، والتعرف على أماكن وجودها وتغذيتها وبرنامجها اليومي.

وبعد قرابة عشرة أيام من البحث والتدقيق والمراقبة الحثيثة، انكشف السر الغامض في 22 أغسطس، وتم تقديم التفسير العلمي لهذه الظاهرة الغريبة، وإعطاء الجواب الكافي عن لون هذه المخلوقات ومن أين جاء هذا اللون الأزرق الساطع الغريب. 

فقد أكد فريق التحري والبحث أن هذه الكلاب كانت كل يوم تنتقل إلى نهر كاساداي(Kasadi) الذي يجري عند ضواحي مومباي من أجل شرب الماء والاستحمام، وأنها عندما تخرج من هذا النهر يتحول لون فرائها إلى اللون الأزرق الساطع، بل وتصيبها بعض الأمراض الجلدية وتتعرض عيونها لالتهابات مزمنة، وعندئذٍ تأكد لديهم بأن هذه المخلوقات ما هي إلا الكلاب الضالة التي تعيش في هذه الأحياء والطرقات وأنها تلونت بسبب استحمامها في مياه النهر المسمومة والملوثة بالأصباغ والمواد الكيميائية الزرقاء الملونة. فهذا النهر تحول مع الوقت إلى مستنقعٍ آسنٍ مريض نتيجة للمخلفات السائلة التي تصبها مئات المصانع في جسمه العليل، فظهرت انعكاسات وآثار هذه الملوثات على أجسام هذه الكلاب ورآها الناس أجمعين في الهند خاصة ودول العالم الأخرى بشكلٍ عام.

وربما أستطيع القول وبدون أي تردد بأنه لحسن الحظ أن بعض هذه السموم والملوثات التي تلقيها المصانع منذ عقود في النهر كانت ملونة ويراها الناس وظهرت بشكلٍ أوضح على الكلاب التي لا يستطيع أي مسؤول تجاهلها أو غض الطرف عنها، فلولا أن هذه الملوثات القاتلة كانت ملونة ويشاهدها الناس لما تحركت الجهات المعنية والسلطات الحكومية، ولما حرَّكتْ ساكناً لتضع حداً لهذه الجرائم والآثام المحرمة التي تُرتكب في حق البيئة وفي حق الصحة العامة للناس.

ومع الأسف فإن هذه الحالة التي رأيناها في الهند من حيث تجاهل الجهات المسؤولة للتلوث وصرف النظر عن المصانع التي تسمم مكونات البيئة وتقتل الناس قتلاً تدريجياً بطيئاً، موجودة في الكثير من دول العالم سواء أكانت دول متطورة متقدمة أم دول متأخرة نامية.

ففي معظم الحالات، والأمثلة كثيرة جداً وكتبتُ عنها مؤخراً، لا تتخذ الدول الخطوات الوقائية والاحترازية اللازمة لمنع وتجنب وقوع هذه الحوادث والكوارث البيئية الصحية، وإنما تهمل حماية البيئة ورعاية مكوناتها حتى تقع الطامة الكبرى وينزل الكرب العظيم على الإنسان والبيئة، فتبدأ بالتحرك بسرعة بأخذ إجراءات ترقيعيه، وتنفذ خطوات متعجلة غير مدروسة كردة فعل سريعة لإزالة مظاهر هذه الكارثة حتى لا يراها الناس ولا تتحول إلى قضية سياسية أمنية، ولكن هذه الإجراءات والخطوات المتعجلة لا تستأصل المشكلة من جذورها، فهي ستظل مدفونة في العمق، وتنكشف مرة ثانية بعد فترة من الزمن.

ومع الأسف الشديد أن الإنسان لا يريد أن يتعظ من التاريخ، فينتظر حتى يتعظ التاريخ به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق