الجمعة، 14 يونيو 2019

لا تنمية بدون حماية البيئة


تصريح جديد للرئيس الصيني إلحاقاً بتصريحات سابقة بدأت منذ عام 2014، حيث قال في الخامس من مارس من العام الجاري في الاجتماع السنوي للحزب الشيوعي الشعبي الحاكم مخاطباً قادة الحزب ورئيس الوزراء:" لا تُفكروا أبداً في تدشين مشاريع تُدمر البيئة من أجل تحقيق النمو الاقتصادي، أو تحاولوا خرق الخطوط الحمراء التي أُقرت لحماية البيئة، حتى لو كُنا نواجه بعض الصعوبات للتنمية الاقتصادية"، كما أضاف قائلاً بأن:" الاقتصاد الصيني يتحول من سياسة النمو السريع المتعاظم إلى سياسة التنمية ذات الجودة والنوعية العالية، فلا بد من تخطى العوائق والصعوبات المتعلقة بمنع التلوث والحاكمية البيئية".

وهذه التصريحات ليست وليدة اليوم فقد أعلن الرئيس الصيني في عام 2014، ولأول مرة في تاريخ البشرية الحرب رسمياً على هذا العدو الغاشم الذي غزا الشعب والبيئة الصينية، وهو التلوث بكل أنواعه وأشكاله، ومنذ ذلك العام وحتى يومنا هذا فهو يستغل كل مناسبة ليجدد التزامه لحماية البيئة الصينية، ويؤكد تعهداته ووعوده السابقة من أجل منع التلوث عن بيئة الصين والحفاظ على الصحة العامة للمواطنين.

فهذه التصريحات القوية والواضحة دفاعاً عن حرمات البيئة تصدر من الرئيس الصيني بالرغم من بُروز قضايا حيوية ومهمة جداً على السطح في الساحة الصينية مثل تباطؤ النمو الاقتصادي الذي تراوح هذا العام بين 6 إلى 6.5%، إضافة إلى هموم البطالة والفقر، إلا أن الرئيس الصيني انحرف عن هذا الاهتمام التقليدي السائد والمسيطر منذ السبعينيات من القرن المنصرم إلى همٍ جديد، وشأن عصيب دخل غصباً عنهم كلهم، وبعد معاناة طويلة وقاسية انعكست على الدولة سياسياً، وأمنياً، وصحياً، واقتصادياً.

فالهم البيئي فرض نفسه بقوة على متخذي القرار في الصين، وهيَّمن الشأن البيئي في السنوات القليلة الماضية على سياسات واستراتيجيات الحكومة الصينية الحالية والمستقبلية، ولا شك بأن هذا التحول الجذري العميق في السياسات لم يحدث بين عشيةٍ أو ضحاها، وإنما جاء بعد مخاضٍ طويل وعسير وولادة قيصرية استمرت قرابة الأربعين عاماً، فذهب ضحيتها كل عناصر البيئة ومكوناتها الحية وغير الحية من جهة وأفسد صحة الشعب الصيني من جهة أخرى.

فخلال عملية النمو الاقتصادي المتسارع والمتعاظم في جميع القطاعات منذ نهاية السبعينيات من القرن المنصرم وقعت تجاوزات كبيرة هزَّت كل عناصر البيئة ولم تترك شبراً من البيئة الصينية في البر والبحر والجو إلا وأصابه داء التلوث، والطامة الكبرى أن هذا التلوث ضرب صحة المواطنين بشدة وأوقعهم في أمراض كثيرة مستعصية لا علاج لها، وعلى رأسها مرض السرطان.

وانطلاقاً من هذا الوضع المأساوي الذي عانت منه الصين تغيرت السياسات وتبدلت الاستراتيجيات التنموية فجعلت الآن البيئة نصب عينيها وركزت على حماية البيئة قبل البداية في أي مشروع تنموي، فهل نستفيد أيضاً من هذا الدرس الصيني في التنمية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق