الأربعاء، 26 يونيو 2019

هل أَفَل نجم الفحم والنفط؟


الجواب عن هذا السؤال الذي أَطرحه أمامكم حول مصير الوقود الأحفوري متمثلاً في الفحم والنفط يعتمد بدرجةٍ كبيرةٍ على سياسة ورؤية وخطة الرجل الذي يحكم البيت الأبيض، فالولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة في العالم وسياساتها مهما كانت تنعكس بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على سياسات باقي دول العالم بدون استثناء، وأي قرار يتخذه الرئيس الأمريكي فإن صداه ينعكس على الجميع فيشجع الدول الأخرى على أن تحذو حذوها فتتخذ قرارات مماثلة.

فعندما كان أوباما والياً على الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ رويداً رويداً وتدريجياً خلال الثماني سنوات من حكمه في المضي قدماً بخطى ثابتة وبطيئة والزحف برفق أولاً نحو مصادر الطاقة الأقل تلويثاً للبيئة من الفحم والنفط مثل الغاز الطبيعي، ثم التحول نحو مصادر الطاقة البديلة النظيفة والمتجددة مثل الطاقة الشمسية، والرياح، وطاقة المياه، والوقود الحيوي وغيرها من المصادر المنخفضة الانبعاث للملوثات، أو التي لا تنبعث منها كلياً أية ملوثات تضر بصحة الإنسان وبيئته وتعمق وتفاقم من قضية العصر وهي التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف وضع أولاً خطة متكاملة وشاملة في عام 2015 أَطلق عليها "خطة الطاقة النظيفة" وركزت على ثلاثة محاور رئيسة، الأول رفع فاعلية وكفاءة استخدام الوقود بشكلٍ عام، سواء في محطات توليد الكهرباء، أو المصانع، أو وسائل النقل والمواصلات، والثاني هو الخفض التدريجي مع الزمن لاستخدام الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء، وبخاصة الفحم والبترول، والتوجه كبديل عنه إلى أنواع ومصادر الطاقة النظيفة والمتجددة.

فهذه الخطة تعني التخلص مع الوقت نهائياً من الوقود الأحفوري، وبخاصة الفحم والنفط، مما يعني انتهاء عصرهما وبدون رجعة، ولكن هذا الاستنتاج اختلف الآن وتغير بشكلٍ كبيرٍ مشهود بعد دخول ترمب إلى البيت الأبيض، وبالتحديد بعد 28 مارس 2017 عندما وقَّع على الأمر التنفيذي تحت عنوان: "استقلال الطاقة"(Energy Independence)، وصرح قُبيل التوقيع قائلاً: "إدارتي ستَضع نهايةً للحرب على الفحم الجميل والنظيف". وبهذا الأمر التنفيذي، ألغى ترمب برنامج أوباما للطاقة النظيفة، وأعلن عن سياسة جديدة لأمن الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية، فأعاد الروح مرة ثانية للفحم، وخلَّصه من دخول القبر الذي أعدَّه أوباما للفحم والبترول معاً، ورسم لهما مستقبلاً زاهراً من جديد.

ومن أجل إنعاش حياة الفحم مرة ثانية، وضع ضرائب على استيراد خلايا الطاقة الشمسية، أي رَفَعَ التعريفة الجمركية الخاصة بالطاقة الشمسية، إضافة إلى أنه فك الحزام الشديد الذي فرضه أوباما على مصانع الفحم عن طريق إلغاء القيود البيئية وتسهيل الأنظمة والمعايير المتعلقة بخفض انبعاث الملوثات، كما قام بدعم محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم.

فالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإن مصير الفحم سيكون مشرقاً بعض الوقت إلى أن ننتهي من انتخابات الرئاسة القادمة، وأما الدول الأخرى فمستقبل الفحم يعتمد على مدى توافره محلياً في هذه الدولة وتوافر الأنواع الأخرى من الوقود. وحسب ما نُشر في صحيفة "الوال ستريت جورنال" في الثامن من أكتوبر 2018 فإن الفحم يبدوا عصياً على أن يأفل نجمه بهذه السهولة، فقد بدأ في البزوغ مرة ثانية على مستوى دول العالم، حيث تقوم الكثير من الدول، وبالتحديد في آسيا وأفريقيا ببناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، ولذلك زاد الطلب على الفحم بنسبة تقريباً 3% في هذه الدول.

وحسب ما نُشر في صحيفة "الوال ستريت جورنال" في الثامن من أكتوبر 2018 فإن الفحم يبدوا عصياً على أن يأفل نجمه فقد بدأ في البزوغ مرة ثانية على مستوى دول العالم، حيث تقوم الكثير من الدول، وبالتحديد في آسيا وأفريقيا ببناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء تعمل بالفحم أو أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، ولذلك زاد الطلب على الفحم بنسبة تقريباً 3%.


وفي اليابان، وحسب ما نُشر في البلومبرج في 24 أبريل من العام الجاري فإنها بعد كارثة فوكوشيما النووية في مارس 2010 فإنها ستتبنى سياسة التوازن والتنوع بين مصادر الطاقة، وعدم الاعتماد كلياً على مصدر واحد فقط، وستعمل على استخدام خليط من مصادر الطاقة، ومن بينها الفحم، والغاز الطبيعي المسال، أي أن الفحم سيظل أحد المصادر للوقود لضمان استمرارية توليد الكهرباء لليابان وعدم انقطاعه، وستعمل على بناء مصانع جديدة تشتغل بالفحم. وأما في الصين فيكفي أن نعلم بأنها توظف أكثر من 4.3 مليون صيني في مناجم الفحم، ناهيك عن الذين يعملون في محطات توليد الكهرباء والمصانع التي تعمل بالفحم، والذي فإن الفحم سيظل باقياً في المجتمع الصيني لسنواتٍ طويلة قادمة.

وفي بولندا، بلد الفحم، والبلدة التي استضافت اجتماع الأمم المتحدة للتغير المناخي في ديسمبر 2018 والتي من المفروض أن تكون قدوة للدول الأخرى في التخلص من الفحم والنفط، فإن هناك أكثر من مائة ألف بولندي يعملون في قطاع الفحم، ونحو 80% من الطاقة الكهربائية تُولد باستخدام الفحم، حيث وصف رئيس الوزراء البولندي الفحم بأنه "ذهبنا الأسود".

كذلك فإن ألمانيا بالرغم من تزعمها لقضية التغير المناخي إلا أنها مازالت تحرق الفحم لتزويد ألمانيا بالطاقة،  فنحو 40% من الطاقة تأتي من الفحم، وربما يعزى السبب في ذلك إلى أن ألمانيا اتخذت قراراً في عام 2011 بطي صفحة الطاقة النووية بحلول عام 2022 ولذلك لا بد من إيجاد البديل لسد الفراغ الذي ستحدثه الطاقة النووية بمصادر أخرى، ومن بين هذه المصادر الفحم.

والهند البلد الصاعد اقتصادياً فإن قرابة نصف مليون هندي يعملون في قطاع الفحم وهي تنوي زيادة سقفها من إنتاج الفحم من 560 مليون طن في عام 2017 إلى أكثر من بليون طن بحلول عام 2020، مما يؤكد بأن الفحم سيكون مسيطراً ومهيمناً على قطاع الطاقة في الهند لعقود طويلة قادمة.

ولذلك في تقديري فإن الفحم والنفط والغاز الطبيعي والأنواع الأخرى من الوقود الأحفوري ستبقى معنا لسنواتٍ طويلة قادمة، وستبقى الرقم الصعب في سوق قطاع الطاقة وتشغيل المصانع في كل دول العالم حتى آخر قطرة منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق