السبت، 12 سبتمبر 2020

حرق القرآن وتفاقم نفوذ اليمين المتطرف

جريمة حرق القرآن الكريم، كلام الله سبحانه وتعالى المقدس لبني آدم، والتي ارتكبتْ في 28 أغسطس في مدينة مالمو (Malmo) السويدية ليست هي الأولى من نوعها، ولن تكون حتماً هي الأخيرة، فجرائم حرق القرآن قام بها المتطرفون والمتشددون عدة مرات وفي مناسبات كثيرة من أجل احتقار المسلمين واستصغارهم، وجرح مشاعرهم، واستفزاز نفوسهم، إضافة إلى إظهار كُرههم العميق للإسلام والمسلمين، وكشف الحقد الأعمى المدفون في قلوبهم، والشحناء البغيضة التي تغلي في صدورهم.

 

فهذه الجريمة البشعة الأخيرة قام بها مسيحيون يمينيون متشددون من السويد، وتحت رعاية ودعم ومتابعة زعيمهم الدنماركي السياسي اليميني المتطرف، راسموس بالودن (Rasmus Paludan) رئيس حزب دنماركي متشدد يُطلق عليه(Stram Kurs) أو باللغة الإنجليزية(Hard Line) أو "النهج والخط المتشدد"، حيث كان ينوي شخصياً حضور "مراسم" حرق القرآن الكريم، ولكن تعذر ذلك بسبب منعه من الدخول من قبل السلطات السويدية، فقام أتباعه بحرق الكتاب المقدس، ونقله على الهواء مباشرة بالصوت والصورة ليشاهده كل إنسان حول العالم.

فخطورة هذه الجماعات اليمينية التي تأتي تحت مسميات مختلفة منها "تفوق العرق الأبيض"، و"القوميون البيض"، و"النازيون الجدد"، تكمن في أنها جماعات أو أحزاب متشددة وتميل إلى ارتكاب أعمال العنف والإرهاب، ولكنها في الوقت نفسه تعمل في وضح النهار تحت غطاءٍ سياسي رسمي تَعْترف به الدول، وبخاصة الدول الغربية، فمثل هذه الجماعات موجودة في الساحة السياسية في الكثير من الدول منها ألمانيا، واليونان، وهولندا، وبولندا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن تهديدها لنا ولدولنا يتمثل في إمكانية وصول أفراد يمثلون هذه الأحزاب إلى سدة الحكم، فتقوم بتبني وتنفيذ سياسات عدائية ومتطرفة ضد المسلمين في تلك الدول خاصة، وضد كل مسلم في كل أنحاء العالم عامة. ومن الأمثلة التي يمكن تقديمها لإثبات هذه الحقيقة هو الحزب الجديد الذي تأسس في عام 2013 في ألمانيا تحت إسم "البديل لألمانيا" (Alternative for Germany)، وهو حزب يميني متشدد ومن النازيين الجدد، فيتمثل دور هذا الحزب المعلن في "شرعنة" الأفكار والسياسات اليمينية المتطرفة وتوفير الغطاء السياسي الرسمي المعترف به محلياً ودولياً لأنشطته وبرامجه. وقد أكد على خطورة هذه الجماعات توماس هالدنوانج(Thomas Haldenwang) رئيس وكالة الاستخبارات الألمانية عندما صرح بأن هذه الجماعات، وبالتحديد حزب "البديل لألمانيا" يُعد "الخطر الأكبر للديمقراطية في ألمانيا اليوم".

فهذه الجماعات بمختلف مسمياتها تشترك في أنها تدين بالدين المسيحي أولاً، ثم جميع أتباعها من الجنس الأبيض ثانياً، كما إن لها أفكاراً وسياسات مشتركة عامة، منها كُره المسلمين واليهود وجميع الأقليات التي تعيش في دولهم، وحقدهم وبغضهم الشديد وغير المتبصر للمهاجرين وعملية التجنيس بشكلٍ عام، إضافة إلى تبني منهج العنف والإرهاب لتنفيذ هذه السياسات، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، منها العملية الإرهابية في مدينة أوكلاهوما الأمريكية، والمجزرة الجماعية في النرويج، والقتل المتعمد أمام العالم للمسلمين في نيوزلندا.

ونظراً لتجاهل وغض طرف الدول الغربية لتهديدات هذه الجماعات العنصرية المتطرفة، ليس للأقليات فحسب، وإنما تهديدها لأمن واستقرار دولهم على حدٍ سواء، فقد تمكنت مع الزمن من اختراق بعض الحكومات الغربية، ونجحت في أن تندس وتتغلغل بعمق في أجهزة الأمن الداخلية والسيطرة عليها، وتنفيذ أجندتهم السوداء المظلمة فيها. فقد أشار منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، جيلس دي كيرشوف(Gilles de Kerchove) إلى ظاهرة تزايد نفوذ وقوة اليمين المتشدد في المقابلة التي أُجريت معه ونُشرتْ في مجلة مركز مكافحة الإرهاب(Combating Terrorism Center at West Point) في العدد الصادر في أغسطس من العام الجاري، حيث قال: "نحن نشهد أيضاً نمواً متعاظماً لأعمال العنف من اليمين المتشدد...كما نشهد بأن هناك علاقة وترابطاً دولياً متزايداً بين هذه الجماعات". 

ومما يؤكد أيضاً على واقعية هذا الادعاء هو التقرير الذي نشره عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي مايكل جيرمن(Michael German) في 27 أغسطس 2020 تحت عنوان:"المخْفي عن العيون: العنصرية، جماعات تفوق العرق الأبيض، والمليشيات اليمينية في الوكالات الأمنية"، حيث استندت الدراسة في تحليلها على الحوادث والوقائع العنيفة والإرهابية التي وقعت في أمريكا وكيفية تعامل الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى مع منفذي هذه العلميات. وقد خلص التقرير إلى عدة استنتاجات خطيرة ومهمة جداً منها أن ردة فعل الحكومة الأمريكية وتعاملها مع الشرطة المتورطين في ارتكاب الأعمال العنيفة القاتلة ضد السود، والذين لهم صلة وعلاقة بالمجموعات اليمينية المسلحة، غير كافية ولا تتناسب مع أنشطتهم وأعمالهم العنيفة والمتشددة، أي أن هناك تحيزاً إدارياً ومؤسسياً ضد الأمريكيين من السود من أصول أفريقية. كما أكد التقرير على استنتاجات تقارير سابقة منها تقرير قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي(إف بي آي) تحت عنوان: "دليل سياسات مكافحة الإرهاب" رقم(89) والمنشور في الأول من أبريل 2015، حيث اعترف المكتب بأن التحقيقات التي أُجريت في عمليات الإرهاب الداخلي التي ارتكبتها مليشيات الجماعات اليمينية المتطرفة، بيَّنت على أن هناك علاقة بين هذه الجماعات ورجال الأمن من الشرطة وغيرهم، كما نشر مكتب الـ إف بي آي تقييماً استخباراتياً استنتج فيه بأن جماعات تفوق العرق الأبيض من اليمينيين المتشددين قد اخترقت أجهزة الأمن.  

كذلك قام مركز تحليل التطرف اليميني(Center for Analysis of the Radical Right)في الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم تقرير في 13 أغسطس 2020 تحت عنوان: "توثيق الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية"، حيث أجرى المركز هذه الدراسة ووثق وحلَّل فيها 497 مسيرة ومظاهرة لليمين المتطرف الحامل للسلاح على هيئة مليشيات في نحو 300 مدينة منذ مايو من العام الجاري، منها 56 مظاهرة شاهد فيها الباحث نفسه ورأي بأم عينيه تعاطف وتعاون الشرطة مع هذه المليشيات المسلحة، بل وفي بعض الأحيان تم توثيق تحريض الشرطة لهم وتشجيعهم إلى استخدام السلاح. وتبعه التحقيق في الواشنطن بوست في الثلاثين من أغسطس حول صدامات الجماعات المسلحة في عدة مدن أمريكية، وأكد فيه بأن هذه الجماعات المسلحة تنال الدعم والاستحسان والترحيب من رجال الشرطة، فهي أصبحت في بعض المدن تحل محل الشرطة وتقوم بدورها ووظيفتها.

كذلك هناك أدلة وحقائق تؤكد تغلغل اليمين المتطرف العنيف والنازيون الجدد للجيش الألماني والقوات الخاصة وتقلدهم رتب عليا في الجيش، حسب ما ورد في تحقيق صحيفة النيويورك تايمس في 3 يوليو 2020 تحت عنوان: "ألمانيا تواجه عدواً من الداخل، النازيون الجدد يتسلقون المراتب العليا في الجيش والقوات الخاصة"، إضافة إلى المقال المنشور في الصحيفة نفسها في 31 أغسطس من العام الحالي حول اختراق النازيين الجدد وجماعات اليمين المسيحي المتشدد للجيش والقوات الخاصة.

فكل هذه الوقائع والبراهين والأدلة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار تؤكد على التهديد الذي تمثله الجماعات المسيحية اليمينية المتطرفة على المستويين القومي والدولي، ودورهم في زعزعة السلم الأهلي وبث بذور الفرقة والاحتقان بين الشعوب سواء في الدولة نفسها، أو بين شعوب العالم. وبالرغم من هذه الحقائق المتواترة إلا أن هذه الجماعات تحظى بغطاءٍ سياسي، وتمثيلٍ رسمي في بعض البرلمانات وفي الحكومات، مما يشجعهم ويحفزهم على القيام بممارسات الكُره للآخر، بل وتنفيذ العمليات الإرهابية القاتلة ضدهم.

فمتى سيتعلم الغرب ويعترف رسمياً بأن الإرهاب موجود في عُقر دارهم وبين أظهرهم وليس فقط الإرهاب الخارجي القادم عبر الحدود، بل ومتى سيعي الغرب بأن هذا الإرهاب المحلي أشد تنكيلاً وتهديداً لأمنهم واستقرارهم من الإرهاب الدولي؟

وأختم مقالي هذا باعترافات شاب عمره 17 عاماً فقط، وينتمي إلى تنظيم النازيين الجدد واليمين المتطرف(Feuerkrieg Division (FKD)) في المحكمة البريطانية في الثالث من سبتمبر 2020، حيث قال بأنه كان يتسلح ويستعد لهجمات إرهابية، وبالتحديد ضد اليهود، وقال يجب "محو اليهود"، كما أفاد بأنه يعمل مع عصابته الإرهابية نحو تفكيك المجتمع برمته وإثارة حرب عنصرية، كذلك كان يمدح ويُعظم السفاح النرويجي المسيحي الأبيض الذي أعدم 77 نرويجياً من بني جلدته في 2011 ووصفه بأنه "القديس"، إضافة إلى أنه في الوقت نفسه كان يعتبر الإرهابي الأسترالي الذي قتل أكثر من خمسين إنساناً في نيوزلندا في 2019 بطلاً وقدوة صالحة له!

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق