الجمعة، 25 سبتمبر 2020

ماذا قال القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي الأمريكي؟

في الجلسة الخاصة التي عُقدت في الكونجرس أمام "لجنة الشؤون الحكومية" في 23 سبتمبر من العام الجاري،   للتثبيت لمنصب وزير الأمن الداخلي، وصف تشاد ولف(Chad Wolf) القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي جماعات اليمين المسيحي المتطرف، أو جماعات "القوميون البيض" التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض، قائلاً وبما لا يدع مجالاً للشك، أو التأويل بأن: "جماعات تفوق العرق الأبيض المتشددة، من ناحية درجة العنف(القتل) خلال العامين الماضيين، وبالتحديد عند النظر في عام 2018 و 2019، هي بالتأكيد تمثل التهديد الأكثر استمرارية وقتلاً عندما يكون الحديث عن المتطرفين العنيفين في الداخل الأمريكي".

 

وهذه الشهادة حول التهديدات الكبيرة التي تُشكلها جماعات تفوق العرق الأبيض المتطرفة والعنيفة ليست هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها تصريحات وشهادات كثيرة متواترة من عدة أجهزة أمنية، وكلها تُجمع على هذه الحقيقة. ومنها على سبيل المثال لا الحصر شهادة كريستوفر راي(Christopher Wray)مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي أي) أمام لجنة مجلس النواب حول الأمن الداخلي في 17 سبتمبر من العام الجاري، والذي أفاد بأن أهم وأكبر التهديدات للأمن القومي الداخلي الأمريكي تتمثل في المجموعات التي تؤمن بفكرة تفوق العرق الأبيض العنيفة، إضافة إلى استمرار التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية.

 

ولكن إجماع الأجهزة الأمنية الأمريكية على تفاقم وتعاظم دور الإرهاب الداخلي في زعزعة أمن واستقرار البلاد متمثلاً في القوميين البيض، والنازيون الجدد، وجماعات تفوق العرق الأبيض العنيفة، لا ينعكس على وجهات نظر الرئيس الأمريكي ترمب وتصريحاته حول هذه الجماعات المتطرفة، ومواقفه لا تتفق مع شهادات أجهزته الأمنية، فهو في أغلب الحالات، مهما ارتكبت هذه الجماعات من إرهاب وقتل، فإنه يتردد في إدانتها وانتقادها، بل ويحاول كلما أمكن ذلك غض الطرف عنها والتقليل من شأنها ودورها في التأثير على الأمن الداخلي. وبالتالي فإن هذه المواقف من الرئيس الأمريكي تشجع هذه الجماعات وتحفزها على الاستمرار في إظهار نفسها كقوة مسلحة موجودة في الساحة دون خوف من رجال الأمن، وقد شاهدتُ الكثير من المظاهرات والمسيرات التي يمكن فيها بكل وضوح وبشكلٍ علني رؤية هؤلاء الأفراد من هذه الجماعات وهم مدججين بالسلاح. وعلاوة على هذه المظاهر المسلحة، فإن صمت ترمب عنها يُقدم على طبق من ذهب الغطاء الحكومي الشرعي والرسمي للانتشار، ونقل أفكارها المتشددة والعنيفة والعنصرية للشعب الأمريكي كافة دون خجل، أو حياء، أو تردد.

 

كذلك يقوم ترمب بإصدار توجيهاته إلى المعنيين في الوزارات والأجهزة الأمنية، وبالتحديد وزارة الأمن الداخلي إلى إصدار تقارير تتجاهل الإرهاب الداخلي من الجماعات المسيحية البيضاء المتشددة والعنيفة، أو في الأقل التخفيف من لهجة وصياغة التقارير الدورية لكي تقلل من دور هذه الجماعات الرئيس في تهديد الأمن القومي. وعلاوة على ذلك فقد جاءت أوامره المباشرة للفت الأنظار وتحويلها من الجماعات البيضاء المتطرفة إلى مجموعات اليسار، وبالتحديد التي يُطلق عليها أنتيفا(antifa)، وهي اختصار لكلمة ضد الفاشية(anti-fascist والعمل على تضخيم وتهويل دور هذه المجموعات في التأثير على الأمن القومي، علماً بأنها ليست منظمة واحدة، وإنما هي مجموعات متعددة ومتفرقة تعمل ضد العنصرية، والرأسمالية، وتدافع عن حقوق المرأة.

 

وقد نبه إلى هذه الظاهرة البيان الصحفي المنشور من "لجنة الاستخبارات"(House Intelligence Committee) التابعة لمجلس النواب الأمريكي في التاسع من سبتمبر من العام الجاري حول "الشكوى" المقدمة من براين ميرفي(Brian Murphy) الوكيل المساعد في وزارة الأمن الداخلي، مكتب الاستخبارات والتحليل(Office of Intelligence and Analysis) في الثامن من سبتمبر إلى مجلس النواب. فقد أكد هذا المسؤول الكبير بأنه واجه ضغوطاً شديدة من كبار المسؤولين المعَيَّنين من الرئيس ترمب، سواء من داخل الوزارة أو من خارجها لتغيير تقاريره الاستخباراتية لأسباب سياسية، بحيث يتم تطويع استنتاجات هذه التقارير لتحوم في فلك الرئيس ترمب، وتتماشى مع توجهاته الشخصية، والسياسية التي يتبعها. كما أفاد بأنه قد جاءته تعليمات محددة بأن يُقلل من شأن التهديدات الصادرة عن روسيا ومن جماعات تفوق العرق الأبيض، أو جماعات اليمين المسيحي المتشدد، إضافة إلى تغيير وتحريف التقارير الاستخباراتية لصالح جماعات اليمين المسيحي المتطرف، والجماعات التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض، لكي تبدو وكأنها "أقل خطورة وشدة على الأمن القومي". ولمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى مقالي المنشور في 18 سبتمبر تحت عنوان:" البيت الأبيض يغض الطرف عن تهديدات اليمين المتطرف".

 

ولذلك فمن الواضح أن هناك تسييساً للمعلومات الاستخباراتية وبعض التقارير الصادرة من وزارة الأمن الداخلي، فمن جهة هناك مواقف وسياسات ترمب الواضحة والداعمة لليمين المسيحي المتشدد من الجماعات الإنجيلية ومن جماعات تفوق العرق لأبيض، ومحاولته دائماً للوقوف في صفهم مهما ارتكبوا من أعمال إرهابية قاتلة، ومهما أبدوا من أفكار عنصرية ومتطرفة ضد الأقليات والأديان الأخرى، فهذه الجماعة هي القاعدة الانتخابية التي يعتمد عليها للفوز في الانتخابات الرئاسية، وفي المقابل هناك ضغوط الديمقراطيين في الكونجرس لبيان الحقائق للشعب الأمريكي حول التهديدات الواقعية للأمن الداخلي، وتقييم دور الجماعات المتطرفة والمتشددة في استهداف الأمن القومي، وبالتحديد من جانب اليمين المسيحي المتطرف.

 

فالشهادات التي أدلى بها المسؤولون الأمنيون في مختلف الأجهزة، سواء من وزارة الأمن الداخلي، أو مكتب التحقيقات الفيدرالية كلها تصب في أن الإرهاب الداخلي أشد خطورة وتهديداً من الإرهاب النابع من خارج الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن إفاداتهم تشير إلى أن الإرهاب الداخلي من الجماعات المسيحية اليمينية المتطرفة هي تُصنف في المرتبة الأولى من ناحية تهديدها للأمن القومي، وبالرغم من ذلك فإن هذه الاستنتاجات الأمنية لا تنعكس على الإجراءات التي تتخذها الحكومة الأمريكية تجاه هذه الجماعات العنيفة، فبوصلتها ومواردها مازالت متجهة نحو ما يطلقون عليه بالإرهاب الخارجي، وبالتحديد من بعض المنظمات الإسلامية، فمتى ستتغير وجهة البوصلة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق