الأحد، 20 سبتمبر 2020

سباق إنتاج قنابل الدمار الشامل لن يتوقف

في الحادي عشر من سبتمبر من العام الجاري كشف الرئيس ترمب، وأظن عن طريق الخطأ وزلة اللسان عن معلومة أمنية في غاية السرية وتُعرض الأمن القومي الأمريكي للخطر، أو ربما قصد بإعطاء هذه المعلومة لوسائل الإعلام من باب التباهي والتفاخر بما صنعه هو بنفسه وأثناء فترة حكمه من إنجازٍ عظيم غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، حيث قال واصفاً الأسلحة والأنظمة الجديدة التي استحدثت: "أنا صنعتُ سلاحاً نووياً، أنا بنيتُ نظاماً للسلاح لم يصنعه أحد قط في هذا البلد من قبل"!

 

وقد جاءت هذه التصريحات ضمن سلسة من 19 مقابلة صحفية أجراها الكاتب الصحفي المعروف بوب وودوارد(Bob Woodward) مع الرئيس الأمريكي ترمب خلال فترة أكثر من عام، وأدخل نص هذه المقابلات في كتابه الجديد المنشور تحت عنوان : "غضب"(Rage). كما صرح ترمب أيضاً قائلاً للتفاخر بإنجازه العظيم: "نحن لدينا أشياء لم ترها أو تسمع عنها قط، فلدينا أشياء لم يسمع عنها بوتين(الرئيس الروسي)، أو شي جينبينغ(الرئيس الصيني) من قبل قط، فما نملكه لا يُصدق".

 

وعلاوة على ذلك، فقد أدلى بتصريحات مشابهة في معرض تعليقه على ما ورد في كتاب "غضب"، حيث قال: "الآن توجد لدينا صواريخ جديدة، آمل ألا نضطر أبداً إلى استخدامها، لكن أسلحتنا النووية الآن في أفضل حالاتها منذ عقود"، وأضاف قائلاً بأن بلاده أنْفقتْ على قواتها على مدى السنوات الثلاث والنصف السابقة 2.5 تريليون دولار.

 

وفي المقابل نجد أيضاً تصريحات الرئيس الروسي بوتين المتعلقة بتطور صناعة الأسلحة الروسية وتقدمها وإنتاجها لأسلحة نووية جديدة لا يعرفها البشر، كما نقرأ عن تباهي بوتين بتقدمه في سباق إنتاج أسلحة الدمار الشامل المهلكة للحرث والنسل والتي تقضي على البشر والحجر وكل كائن حي يعيش على سطح الأرض، حيث كشف بوتين عن قيام روسيا بصناعة ما يُطلق عليه "الأسلحة العظيمة"( super weapons)، منها صواريخ بالستية طويلة المدى جداً تعمل بالطاقة النووية ومزودة بأسلحة نووية، وتفوقسرعتهاسرعةالصوت،  ومنها طوربيدات طويلة المدى(ultra-long-range). كما دخلتْ الصين مؤخراً وبقوة في قطار سباق التسلح الدولي، وطورتْ أسلحة جديدة وحديثة ومتطورة جداً أعلنتْ عنها في وسائل الإعلام، ولكن لم تكشف النقاب عن تفاصيلها.

 

وهكذا نجد أنفسنا أمام واقعٍ مرير ومؤلم يُعيدنا إلى العقود الماضية المظلمة، سواء أيام الحربين العالمية الأولى والثانية، أو السباق المحتدم الذي بدأ في سنوات الحرب الباردة، وبالتحديد بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقاً.

 

فبالرغم من وجود بعض الآليات الدولية والمعاهدات العالمية، أو الثنائية، أو الإقليمية بين دول العالم والتي تُقنن صناعة الأسلحة النووية وغيرها من الأسلحة والصواريخ طويلة المدى، سواء من ناحية نوعيتها أو أعدادها، إلا أن هذا الشر والسباق الشيطاني المحموم لم يتوقف، ولن يتوقف أبداً.

 

فهناك على سبيل المثال اتفاقية عام 1970 المتعلقة بمنع الدول غير النووية من إنتاج أسلحة نووية، أو الحصول على تقنيات نووية (Non-Proliferation of Nuclear Weapons (NPT))، وهذه الاتفاقية لم يُكتب لها النجاح كلياً على أرض الواقع، فهناك العديد من الدول التي اشترت تقنيات صناعة الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، سواء أكانت قنابل، أو رؤوس نووية.

 

كذلك هناك المفاوضات التي بدأت في عام 1969 بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية حول الحد من سباق التسلح النووي من الناحيتين الكمية والعددية، تحت عنوان(Strategic Arms Limitation Talks (SALT))، حيث تم توقيع الاتفاقية الأولى في عام 1972، وعُرفت بسالت الأول(SALT I)، ثم في عام 1991 تم استبدالها بمعاهدة خفض التسلح الأول(Strategic Arms Reduction Treaty (START 1)). وفي أبريل 2010  وقَّع كل من الرئيس الأمريكي السابق، أوباما مع الرئيس الروسي السابق ديمتري النسخة الثانية من المعاهدة(New START)، والتي ينتهي العمل بها في فبراير 2021. وهذه المعاهدات أيضاً ما هي إلا حبر على ورق، فلا توجد أية نية حسنة من الدولتين، ولا توجد ثقة بينهما، ولذلك كما أكدت في مطلع المقال بأن تصريحات أمريكا من جهة وروسيا من جهةٍ أخرى تسير إلى الخلف وتناقض روح وأهداف هذه المعاهدات، فالتسلح النووي وتطوير أسلحة دمار شامل جديدة وأشد فتكاً وتنكيلاً بالبشرية من القنبلتين اللتين أُلقيتا في هيروشيما وناجازاكي في أغسطس 1945 مازالت مستمرة ولن تتوقف أبداً. كذلك هناك اتفاقية ثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي تُعرف بمعاهدة الصواريخ النووية وغير النووية متوسطة المدى(Intermediate-range Nuclear Forces (INF)) والتي تم التوقيع عليها في الثامن من ديسمبر 1987، ولكن لم تدم هذه الاتفاقية طويلاً حيث انسحب منها الرئيس ترمب رسمياً في الثاني من أغسطس 2019.

 

وعلاوة على ما سبق، هناك اتفاقية الأمم المتحدة حول منع الأسلحة النووية(Prohibition of Nuclear Weapons (TPNW))، وهذه الاتفاقية تنص على أن تتعهد كل دولة بالامتناع عن تطوير، واختبار، وإنتاج، وطلب امتلاك، وتخزين، أو التهديد لاستخدام السلاح النووي، علماً بأن هذه الاتفاقية وافقت عليها 122 دولة غير نووية من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، وصادق عليها حتى الآن 40، والقانون ينص على أن تنفيذ هذه الاتفاقية يحتاج إلى مصادقة 50، وإنني في تقديري بأن هذه الاتفاقية لن ترى النور، ولكن إذا خاب ظني وتم تفعيلها، فإنها ستطبق كالعادة فقط على الدول الفقيرة والمستضعفة ودول العالم النامي التي لا وزن لها ولا نفوذ في مجلس الأمن والمنظمات الأممية المعنية التابعة للأمم المتحدة.

 

ولذلك نجد بأن جميع المعاهدات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل النووية، سواء أكانت تحت مظلة الأمم المتحدة أم ثنائية، فهي موجودة فقط على الورق، أو في أرشيف الأمم المتحدة، وصلاحيتها إما أنها انتهت، أو أنها لا يُعمل بها ولا تُنفذ بنودها. وفي تقديري فإن امتلاك السلاح النووي والسباق في تطوير وإنتاج أسلحة دمار شامل لن ينتهي أبداً، فكل دولة تعتبر هذه الأسلحة ورقة ضغطٍ وابتزاز وهيمنة على الدول الأخرى، ومجلس الأمن مع الأسف غير معني بمثل هذه القضية الأمنية الخطيرة التي تهدد أمن واستقرار كوكب الأرض واستدامة وجوده للبشر، ولذلك فإننا أمام سباق ماراثوني طويل جداً لا يعرف أحد نتيجته، ولا يمكن تخمين نهايته وعواقبه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق