الأربعاء، 22 يونيو 2011

والآن جاء دور استتاب الأمن البيئي


والآن جاء دور استتاب الأمن البيئي

بعد أن مَنَّ الله سبحانه وتعالى علينا بنعمة الأمن والأمان، وأرجع بفضله وكرمه البلاد إلى حالة الاستقرار والسلام، فتحسنت الأوضاع الأمنية والسياسية، واستتب الأمن، ورجعت الحياة إلى مسارها ووضعها الطبيعي، فبعد هذا الخير والاطمئنان النفسي والبدني وراحة البال، أود أن نُلفت انتباهنا في الوقت نفسه نحو تحسين الوضع البيئي الذي يُقاسي منذ سنوات من ضعفٍ في الرعاية والاهتمام الحقيقي والميداني، فنعمل جميعاً على استتاب الأمن البيئي وإرجاع مكونات البيئة الحية وغير الحية إلى الأوضاع التي كانت عليها قبل عقود من الزمن، فنسعى معاً جاهدين على تطوير وتأهيل بيئتنا، ونعالج الأضرار الجسيمة التي لحقت بكافة عناصرها من ماءٍ وهواءٍ وتربة، فتغلغلت في أعماقها وتأصلت جذورها.

فلا يخفى على أحد انقراض العيون العذبة الثرية والغنية بالتنوع الحيوي في البر والبحر، والتي كانت أحد المرافق السياحية والثقافية والاجتماعية التي انفردت بها البحرين عن غيرها من الكثير من الدول، ومع انقراض هذه العيون تأثر نظام بيئي بأكمله، فتدهورت الحياة الفطرية النباتية والحيوانية والطيور التي كانت تحتضنها، فغابات النخيل الكثيفة الباسقة التي كانت تحيط بالعيون، تحولت من مناطق مزدهرة بالحياة والجمال فتعيش فوقها ومن تحتها أنواع كثيرة من الطيور المغردة والمهاجرة إلى جثثٍ ميتة خاوية على عروشها، فأكلها المرض من داخلها ودَبَّ السوس في جسمها وأصبحت جسداً عليلاً لا حياة فيه. ومع انقراض هذه العيون، جفت شرايين المياه العذبة والقنوات المائية التي عاشت فيها كائنات نادرة كالسلاحف والضفادع، مما أدى إلى انقراضها من بيئة البحرين.

وهذا الوضع المأساوي للعيون يعكس بشكلٍ مباشر ومشهود التدهور الشديد الذي أصاب المياه الجوفية من الناحيتين النوعية والكمية، حتى أن المياه الجوفية العذبة الزلال انتهت كلياً من أعماق الأرض فأصبح ماؤها غوراً، وتحولت في نوعيتها كماء البحر إلى ملحٍ أُجاج.



ولا يخفى على أحد غِنى وثراء البيئة البحرية وتنوعها الشديد بالأسماك والحياة الفطرية البحرية الأخرى وأنواع البيئات الفريدة من نوعها، والتي كانت ثروة ربانية متجددة لا تنضب عاش عليها المواطن سنواتٍ طويلة، فأصبحت الآن بيئتنا البحرية مقبرة مائية شاسعة ومقفرة بسبب أعمال الحفر والدفان العشوائية والجائرة التي غطت كافة المناطق الساحلية حول البحرين، ونتيجة لصرف المخلفات السائلة من المصانع ومحطات معالجة مياه المجاري لسنوات طويلة من الزمن، إضافة إلى المخلفات الصلبة التي نشاهدها على السواحل وفي أعماق البحر، حتى أننا الآن نبذل قصارى جهدنا بحثاً عن الأسماك، وكأننا ننقب عن النفط أو الغاز الطبيعي في أعماق البحار، ثم لا نجدها إلا بِشِق الأنفس وبعد طول انتظار.

ولا يخفى على أحد صفاء هوائنا، ونقاء سمائنا وخلوها من الشوائب والملوثات القاتلة، والتي تحولت الآن إلى سماءٍ بنية صفراء اللون تسبب الأمراض والأسقام المزمنة، فزادت فيها نسب الملوثات إلى مستويات مرتفعة معظم أيام السنة، فالمصانع ومحطات توليد الكهرباء تنفث سمومها في هوائنا، وعشرات الآلاف من السيارات التي اكتظت بها الطرقات وازدحمت بها الشوارع تُطلق ملوثاتها المسرطنة إلى سمائنا.  

ولذلك فالشواهد والواقع الميداني يؤكد على أن الأمن البيئي في خطر مزمن، ومكونات البيئية جميعها مهددة في استقرارها واستدامة عطائها، فلا بد إذن من إعادة الأمن البيئي بالسرعة الممكنة بتعاون الجميع من جهات تشريعية وتنفيذية وجمعيات المجتمع المدني والأفراد، وإرجاع اللُحمة والعلاقة الحميمة التي تربط بين كافة مكونات وعناصر البيئة الحية وغير الحية، حتى تعيش مع بعض في أمنٍ وسلام وراحة واستقرار، فتزدهر بيئتنا وتؤتي أكلها كُلَ حينٍ طيبةً سليمة للإنسان والكائنات الحية التي تعيش معنا.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق