الاثنين، 27 يونيو 2011

مخلفات الدمار الشامل

مخلفات الدمار الشامل

لماذا تتجاهل الأمم المتحدة الممثلة في مجلس الأمن الدولي من جهة، ودول العالم أجمع من جهة أخرى عن آلاف القنابل الذرية الموقوتة ومخلفات الدمار الشامل المشعة الموجودة في أراضي الدول النووية منذ عقودٍ من الزمن، والتي باتت تشكل تهديداً حقيقياً ومستمراً للسلم والأمن الدولي والاستقرار العالمي؟

وأين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قضية عشرات الآلاف من الأطنان من هذه القنابل الذرية المخزنة في هذه الدول والمكدسة في أراضيها، والتي قد تنفجر في أية لحظة فتقتل ملايين البشر وتلوث الكرة الأرضية برمتها؟

فلو كانت هذه القنابل الموقوتة المتمثلة في المخلفات المشعة مُخزنة في أراضي الدول النامية والفقيرة لهبت الدول الغربية جمعاء هبة رجلٍ واحد، وتبعتها أذيال منظمات الأمم المتحدة المَعْنية وغير المعنية، ولقامت باتخاذ كل الوسائل السلمية وغير السلمية لمكافحة وجود هذه التهديدات النووية، بل وتمت محاكمة رؤساء هذه الدول على هذه الجريمة البيئية النكراء، أو حتى غزو هذه الدول عسكرياً لامتلاكها مخلفات الدمار الشامل!

ولكن كما تعودنا، فإن الدول الغربية وأدواتها المُطيعة لها والمنفذة لتوجيهاتها من مؤسسات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية وبعض الجمعيات الأهلية دائماً تكيل بمكيالين مختلفين حسب المصلحة والأهواء السياسية، وتتبع عادة معايير مزدوجة ومتغيرة بناءً على الدولة الواقعة في قفص الاتهام.

ففي هذه الحالة بعض الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وغيرها هي المتهمة بقضية القنابل الذرية الموقوتة، ولذلك يقف الجميع موقف الحياد، بل ويتبنون موقف الصمت والسكوت الشديدين ويتجاهلون التهديدات والمخاطر التي تحيط بالبشرية والكرة الأرضية برمتها من وجود هذه المخلفات المشعة لأكثر من قرن دون إدارة سليمة ومستدامة.

فالقنابل الذرية الموقوتة تأتي من عدة مصادر، من أهمها مخلفات قضبان الوقود النووي المستنفدة والمستهلكة((spent fuel rods) التي تم استخدامها في المفاعلات النووية سواء في محطات توليد الكهرباء أو المفاعلات المستخدمة في السفن والغواصات والتي قد انتهت فاعليتها، ولكنها ماتزال تنبعث منها الإشعاعات القاتلة، وهناك أيضاً المخلفات المشعة الناجمة عن البرامج العسكرية في الدول الصناعية الكبرى. وهذه القنابل المشعة إما أن تُكدَّس بعضها فوق بعض في أحواض مائية في موقع المحطة الكهربائية، وإما أن تُخزن تحت الأرض لأجلٍ غير مسمى، وقد أكدت الدراسات العلمية على أن الإشعاعات تتسرب منها مع الوقت وتلوث البيئة المحيطة بها.

فعلى سبيل المثال، كمية المخلفات المخزنة حالياً في مواقع المفاعلات النووية في 30 ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية هي نحو مائة مليون جالون من المخلفات شبه الصلبة المشعة، وأكثر من 65 ألف طنٍ من مخلفات الوقود المستهلك المشع، ويضاف إلى هذه الأحجام المرعبة من المخلفات الخطرة أكثر من ألفي طنٍ سنوياً التي تَنتج عن تشغيل 104 مفاعلات لتوليد الطاقة، وعلاوة على هذه القنابل الذرية المتناثرة على أرضنا، هناك كميات غير معروفة تنجم عن المنشآت والتجارب والأنشطة العسكرية النووية السرية وغير السرية. ومن أكثر المناطق تعرضاً للإشعاع في أمريكا موقع تخزين المخلفات النووية في مدينة هانفورد(Hanford) بولاية واشنطن، وهو أول موقع في العالم لإنتاج البلوتونيوم لعمل القنبلة الذرية، ومساحته زهاء 1517 كيلومتراً مربعاً، وقد وصف ستيورت أودآل(Stewart Udall) وزير الداخلية أثناء حكم جون كنيدي وليندن جونسون موقع هانفورد الذي يهدد سلامة الإنسان والبيئة بأنه:” الفصل الأكثر كارثية في تاريخ الحرب الباردة الأمريكية“.

أما على المستوى العالمي، فهناك 435 مفاعلاً في 31 دولة، وكمية المخلفات التي تنتج سنوياً منها تبلغ نحو 12 ألف طن، وهي تتراكم وتُخزن في هذه الدول بطريقة غير مستدامة تشكل تهديداً صارخاً للإنسانية ولبيئتنا، كما أن هذه القنابل يتم تهريبها في بعض الأحيان بوساطة المافيا إلى دول أخرى فقيرة ونامية لتُدفن في أراضيها بمبلغ زهيد، وعلاوة على ذلك هناك المئات من المفاعلات النووية التي تبني حالياً في مختلف دول العالم، مما يؤدي إلى تفاقم قضية المخلفات المشعة وتكدسها على الأرض دون أن تكون هناك حلول جذرية ومستدامة للتخلص منها.

الآن ونظراً لعدم قدرة الدول الصناعية المتطورة التعامل مع هذه القنابل الموقوتة المتراكمة والمتزايدة، ومعرفتها بالتهديدات العظيمة التي تحيط بهذه المواقع التي تخزن فيها المخلفات المشعة، إضافة إلى المبالغ الكبيرة التي تصرفها فقط لصيانة هذه المواقع، فإنها تبحث منذ زمن عن مواقع في دول العالم النامي التي هي في أمس الحاجة إلى المال للتنمية وسد جوع شعوبها، وهي في أتم الاستعداد لدفع مبالغ طائلة جداً لأي دولة تقبل عرضها، وربما تتمكن من إقناع بعض الدول على تخزين هذه القنابل في أراضيها.

ولذلك على جميع الدول الحذر الشديد من قبول هذه القنابل على أراضيها، لأنها حتماً ستنفجر يوماً ما فتقتل الحجر والبشر في تلك الدولة أولاً ثم دول العالم دون استثناء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق