الخميس، 30 يونيو 2011

الـمُجنسُون

المُجَنَسُون

مهاجرون غير شرعيين حيناً وشرعيين حيناً أخرى، ينتقلون من بلدٍ إلى آخر، ومن بيئةٍ إلى أخرى، ثم يقطنون فيها، ويحصلون على الجنسية الخاصة بتلك البيئة، فيقيمون فيها إقامة دائمة، ويؤثرون على السكان والمواطنين الأصليين الموجودين في تلك البيئة بشكلٍ خاص وعلى النظام البيئي بشكلٍ عام في تلك المنطقة، وبالتحديد من ناحية كسر العلاقات الحميمة والتفاعلات الطبيعية المتوازنة والهشة التي تربط بين مكونات تلك البيئة الحية وغير الحية، فيقطعون أوصال السلسلة الغذائية المترابطة بعضها مع بعض، ويهدمون التوازن البيئي الدقيق الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في تلك المنطقة.

وهذه الظاهرة التي انتشرت منذ نحو قرنٍ في بيئات دول العالم قاطبة، وبخاصة في المسطحات المائية الحلوة والمالحة كالأنهار والبحيرات والبحار، يُطلق عليها الآن بغزو الكائنات الغريبة لبيئة لم تتواجد فيها أصلاً، ولم يخلقها الله جلت قدرته في تلك المنطقة. وقد أدت هذه الظاهرة العالمية إلى خسائر بيئية واقتصادية فادحة تقدر بمليارات الدولارات.

وقد وقعت الكثير من الدول ضحية لهذه الظاهرة، إما طواعية من خلال منح الجنسية الوطنية والإقامة الدائمة لبعض الكائنات غير الموجودة منْ قَبْل في بيئاتهم، أو عن طريق دخول هذه الكائنات الغازية إلى بيئة الدول الأخرى عن طريق وسائل النقل البرية والجوية والبحرية.

فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، وقعت في فخ هذه المشكلة البيئية الدولية عندما قامت بتوطين ومنح الجنسية الأمريكية لنوعٍ من الأسماك يعرف بالشبوط أو الكارب الآسيوي(Asian carp)، وذلك من أجل تربيتها وإكثارها في مزارع الأسماك الواقعة على نهر ميسيسيبي العظيم.

ولكن مع الوقت لم يمكث هذا المهاجر الجديد في موقعه، وإنما بدأ في دخول بيئات أخرى غريبة عليه، وبالتحديد نهر ميسيسيبي، وبخاصة عندما يثور النهر فيفيض ماؤه إلى مزارع الأسماك وتختلط الأسماك الموجودة في هذه المزارع كسمكة الكارب الآسيوي بأسماك النهر، فبدأت بالعيش والتكاثر في هذه البيئة الجديدة، ثم مع الزمن انتقلت إلى بيئات نهرية أخرى حتى وصلت إلى بيئة البحيرات العظمى، فأوقعت خسائر عظيمة للثروة السمكية والتوازن البيئي في تلك البحيرات.

فمشكلة هذه السمكة التي تم إحضارها من بيئتها الأصلية التي عاشت فيها منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى في الفيتنام والصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومُنِحت تأشيرة دخول مفتوحة لسنواتٍ طويلة، أنها لا تنسجم وتتأقلم مع الكائنات الفطرية الأصلية الموجودة في الأنهار والبحيرات في أمريكا، فشهيتها مفتوحة ولا تشبع، وحجمها ووزنها كبيرين، إذ يصل وزنها إلى قرابة 60 كيلوجراماً وطولها أكثر من مترٍ واحد، مما أدى إلى سيطرة هذه السمكة الغازية على السلسلة الغذائية الطبيعية، وإحداث شرخٍ واسع وخطير في التوازن الطبيعي للحياة الفطرية، وتمثل في افتراس الأسماك التجارية الأصغر منها حجماً والقضاء عليها كلياً.

وبعد تفاقم هذه المشكلة وانكشاف أبعادها الاقتصادية والبيئية، تعالت صرخات العلماء من جهة، وصيحات صيادي الأسماك من جهة أخرى حول هذا التهديد الذي سببته هذه السمكة المُجَنسة على السكان الأصليين والثروة السمكية والحياة الفطرية البحرية برمتها، حتى وصلت هذه الصيحات إلى البيت الأبيض، فعقد قمة خاصة لمناقشة تداعيات تجنيس هذه السمكة على أمريكا في فبراير 2010 أُطلق عليها بقمة سمكة الكارب(Asian Carp Summit)، ثم قررت إدارة أوباما صرف 80 مليون دولار لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة والتحكم في إنتشار السمكة في بيئات جديدة، كما قررت وزارة الداخلية سحب الجنسية والإقامة الدائمة لهذه السمكة وتصنيفها كسمكة ” غازية“. بل وإن هذه السمكة أصبحت مطلوبة حية أو ميتة، ووُضِعت مبالغ مالية مجزية لمن يتمكن من أسرها واصطيادها، ونظمت الجهات المعنية سباقاً سنوياً وخصصت جوائز كبيرة لمن يصطاد أكبر عدد ممكن من هذه السمكة.

وهذه الظاهرة انكشفت الآن في البر والبحر في الكثير من دول العالم، ومياه الخليج العربي بشكلٍ خاص تعاني منذ انكشاف النفط من غزو الكثير من الكائنات الغريبة على بيئتها واستيطانها في مياهها، فهناك عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى مياه الخليج العربي عن طريق آلاف الناقلات النفطية وغير النفطية التي تمر فيها منذ أكثر من سبعين عاماً، حيث تقوم بالتخلص من مياه التوازن المليئة بالأحياء الغازية والمهاجرة إلى مياه الخليج فتلوثها وتسبب لها الكثير من المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

ومنذ أكثر من سبعين عاماً ومشكلة مياه التوازن لم تحل جذرياً، فهي مازالت عالقة وتداعياتها السلبية في ازديادٍ مستمر، ولا ندري ماذا ستكون عواقبها علينا وعلى بيئتنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق