الأحد، 26 يونيو 2011

إنها جريمة ضد الإنسانية

إنها جريمة ضد الإنسانية

هذا ما قاله رئيس جواتيمالا ألافرو كولم كاباليروس(Alvaro Colom Caballeros) بغضبٍ واندهاشٍ شديدين عندما اتصلت به السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وهي تَزُف إليه خبر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من 700 من مواطني جواتيمالا كفئران تجارب المختبرات في الفترة من 1946 إلى 1948 في أحد السجون الأمريكية ودور الأيتام الواقعة في جواتيمالا.

وبعد ساعاتٍ من اتصال وزيرة خارجية أمريكا، تلقى رئيس جواتيمالا اتصالاً هاتفياً آخر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليتعذر عن العمل المشين واللاأخلاقي الذي قامت به الأجهزة الصحية الأمريكية الاتحادية في سجون جواتيمالا، وليُعبر عن أسفه الشديد لشعب جواتيمالا وكافة المتضررين من التجارب المفزعة والقاتلة التي أجريت عليهم.

وهذا الاعتذار للعمل الإجرامي الذي تقشعر منه الجلود لم يأت اعتباطاً، وإنما فُرض بقوة على الإدارة الأمريكية وأجبرت على هذه التصريحات التي لا تغني عن شيء، فقد وقعت هذه الفضيحة الأخلاقية في يد باحثة أمريكية عندما كانت تقوم بدراسة علمية عن تاريخ الطب الأمريكي، حيث اكتشفت في صفحات الأرشيف المدفون في المكتبات عن وثيقةٍ سرية تُبين قيام بعض الأطباء الأمريكيين وتحت الإشراف المباشر للأجهزة الاتحادية الرسمية لتجارب على السجناء في جواتيمالا. وبعد الدخول في تفاصيل هذه الوثيقة أصابها الذهول والدهشة مما قرأت. فقد كان الأطباء الأمريكيين وفي سرية تامة في مطلع الأربعينيات من القرن المنصرم، يَحقنون السجناء، والجنود، والمرضى المتخلفين عقلياً، والأطفال الأبرياء في دور الأيتام بحقنٍ ملوثةٍ بجراثيم تُصيب الإنسان بالأمراض التناسلية، وبالتحديد مرض السفليس(syphilis )أو الزهري، كما استخدموا في ذلك أبشع الوسائل والسبل لتحقيق أهدافهم، مثل استخدام العاهرات المصابات بالمرض، أو الحقن الجبري في النخاع الشوكي، أو رش الجراثيم على وجوه وأعضاء هؤلاء الأفراد بشكلٍ مباشر لإصابتهم بالمرض، ثم دراسة الأعراض المرضية التي تنكشف عليهم، وبعد ذلك حقنهم بالبنسلين(penicillin) لمعرفة مدى فاعليته في علاج ومنع هذا المرض الجنسي. وقد نقلت صحيفة الجارديان في عددها الصادر في 8 يونيو 2011 العديد من المقابلات الشخصية مع شهود العيان وبعض الذين وقعوا ضحية هذا العمل المشين(أنظر مقالي تحت عنوان ”إنها تجارب أمريكا الشيطانية“).

وبعد أن أَلَمَّتْ الباحثة الأمريكية بتفاصيل هذه الجريمة المروعة وكشفت كافة الجوانب المتعلقة بها، قامت في يناير 2010 بإلقاء بحثها في مؤتمر علمي، ثم عندما أرادت في يونيو من عام 2010 نشر اكتشافاتها في العدد الذي صدر في يناير 2011 من مجلة ” التاريخ السياسي“، تدخلت الجهات الحكومية الرسمية عندئذٍ وقامت بإجراء تحقيق في هذه الحقائق، واضطرت بعد أن انتشرت قصة هذه الفضيحة في وسائل الإعلام من الاعتذار الرسمي لضحايا تجارب أمريكا على البشر.

وفي الحقيقة لم استغرب شخصياً من هذه الممارسات، فالغاية في السياسة الأمريكية تبرر الوسيلة، حتى ولو كانت ذلك على الشعب الأمريكي نفسه. فهذه التجارب أُجريت من قبل، ولكن بأسلوبٍ آخر على أكثر من 400 مواطنٍ أمريكي من أصلٍ أفريقي في فضيحة اكتشفت في السبعينيات على دراسة طبية أُطلق عليها بدراسة تسكيجي(Tuskegee Study) في عام 1932، نسبة إلى جامعة تسكيجي في ولاية ألباما الجنوبية، حيث الأغلبية السوداء. فهذا العمل العنصري وغير الأخلاقي أشعل النار في المجتمع الأمريكي عامة وفي أروقة الكونجرس خاصة، وأجبر الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلنتون إلى الاعتذار العلني لضحايا هذه التجارب في كلمةٍ ألقاها عام 1997 في البيت الأبيض وأبدى أسفه عن ما جرى في تلك الحقبة الزمنية السوداء من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ووصَفَ هذه التجارب بأنها مخجلة وعنصرية.

هذه الوقائع التاريخية التي تمت في جنح الظلام، وتحت ستارٍ رهيب وتغطيةٍ شاملة وسرية من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، تم اكتشافها وفضحها بعد أكثر من ستين عاماً على وقوعها، ولم تقم الجهات الرسمية في أمريكا سوى الاعتذار والتعبير عن الأسف، وكأنه أمر عادي وبسيط. فكل هذه الجرائم ارتكبت ضد دولة فقيرة لا حول لها ولا قوة، وضد مواطنين أمريكيين سود، مستضعفين وفقراء ليس لهم من يدافع عنهم ويرجع لهم حقوقهم المسلوبة، ويحاكم كل فردٍ اشترك في هذه الأعمال البشعة.

وهذه الحوادث المؤلمة التي انكشفت الآن وبالمصادفة، وبعد عقود من الزمن، تؤكد لي أن هناك جرائم أخرى ستُكتشف بعد سنوات، ارتكبت في سجن جوانتينامو الأمريكي، أو سجون العراق السرية، أو سجون أفغانستان.

هناك 3 تعليقات:

  1. سعادة البروفسور الدكتور اسماعيل المدني اشكرك شكراً جزيلاً على هذا المقال والحقائق التي حصلت عليها وقمت بنشرها ، نعم لا نستبعد شيئاً عن دور الولايات المتحده الامريكية في هذا العمل المشين اذا كانت الصهيونية العالمية عاصمتها هي الولايات الامريكية وهي تلعب دورا بارزا في هذه العمليات اللاانسانية لجعل البشر فئران تجارب ولكن من يا ترى يستطيع ادانتها او التحقيق معها بعدما قامت وبكل وقاحة فقط تقديم الاعتذار وكأنه خطأ غير مقصود.

    ردحذف
  2. شكرا دكتور مقال رائع كنا نتظر اشخاص مثلك في العالم العربي
    الدكتور تركي الشهراني
    ابها

    ردحذف